من تخطى سن السبعين يعرف أننا كنا نتقاسم البيوت مع القطط كتعايش بيئي موروث. تواجد القطط في الطرقات في ذلك الزمان لم يكن للإقامة وإنما للعبور من منزل لآخر. لا أعتقد أن نقل الأمراض من القطط آنذاك كان مشكلة صحية، لكنه الآن أصبح كذلك. السبب هو أن القطط في بيئتنا لم تعد كائنات أليفة تتقاسم البيئة مع السكان، وهكذا تحولت قسراً إلى كائنات سائبة تجول في الطرقات وتقتات على الفضلات وتبيت في العراء. هذه الأحوال المعيشية تحول أي كائن إلى ناقل عدوى تماماً مثل الجرذان والفئران، ليس القطط فقط بل وحتى الماعز والضأن والإنسان نفسه. ماذا عن الكلام في الذاكرة القديمة؟. في الموروث العربي الرعوي والزراعي كان الكلب بمثابة عضو عزيز من الأسرة أو بالأحرى مع الأسرة. الأسباب معروفة، الحراسة والدفاع وطرد الكائنات المتطفلة من كل نوع. مفاهيم النظافة في بيوت عصر النفط والطفرات تغيرت، لم يعد للقطط والكلاب مكان، وكانت التهمة نقل الأمراض ولكنها تهمة جائرة وأنانية. القط الذي ينقل الأمراض هو المطرود إلى الخارج المتشرد بين القمائم والفضلات، بخلاف القط الأليف الذي يتوفر له ما يجود به المنزل من طعام وشراب وزخة ماء على جلده إن تلطخ بالطين والأوحال. كذلك تغيرت مفاهيم الحاجة إلى الكلب الحارس المدافع الوفي الذي امتلأت بمديحه دواوين الشعر العربي القديم. أين وصلت حياة القطط والكلاب الآن في شوارع المدن السعودية؟. لا يمر يوم لا ترى فيه عدة جثث لقطط دهستها السيارات وقطعت أوصالها على الأسفلت. لا تمر بشارع جانبي إلا وترى فيه تجمعات القطط تتراكض وتتشاكس من برميل نفاية إلى آخر.ماذا عن مسألة الرأفة بالحيوان وهي جزء أساسي من أنواع الإحسان في النص الديني؟. أعتقد أن نزع الشفقة من قلب الإنسان على الحيوان درجة من درجات الجفاف العاطفي تجاه الإنسان نفسه. بتعبير آخر، الإنسان الذي لا يتألم لقط هزيل في الشارع يسحب رجلاً مكسورة أو لجثة قط مزقه سائق طائش لديه فراغ عاطفي تجاه الحياة والإنسان. المهم هو وضع القطط السعودية في فصول الشتاء القارس والأيام المطيرة، مثل هذا الشتاء البارد والمطير الذي نعيشه. قططنا التي هي فعلاً جزء من مكوننا الحياتي تنزوي تحت الأشجار وفي حفر الأرصفة وتلتصق ببعضها في الليالي الباردة، وبعضها ينفق قبل طلوع الشمس. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ورحمة الحيوان جزء من ذلك.