لقد حبا الله دول مجلس التعاون بجمال فطري فريد من تعدد بيئاته وتنوع في حياته الفطرية، جعل أبناءه مرتبطين بِبَرْه وبَحْرِه، فعشقوا صحراءه وتغنوا بها، وشَرَدُوا لأحضانها ليتذكروا عيشة آبائهم، ويَعُودوا إلى جُذُورَهم على أرض صحرائها تارة، وليبحروا تارة أخرى في مياه خليجنا الزرقاء، ليتذكروا كيف عانى أجدادهم مشقة السعي لكسب الرزق بين أمواج البحر، فرزقهم الله من كنوزه وأطعمهم من خيراته، وكان للحياة الفطرية منذ الأزل مكانه في حياتهم، فعشقوا رؤيتها فحافظوا على بقائها، فشاركتهم حلو الأيام ومرها، فاستفادوا من لحومها وجلودها، وحافظوا علي استدامتها فاستدامت لهم، ولكن مع دوران عجلة التطور في دول المجلس، واندماج أبناء خليجنا العربي في بناء حضارتهم الحديثة، فَتغلبتْ رغباتهم على احتياجهم، فزاد من استهلاكهم للعديد من الأنواع الفطرية، فنقلب الصيد من وسيلة للحياة والبقاء إلى ترف غير مقنن في ظل الظروف البيئية الصعبة، وزادت احتياجه من اللحوم فجلب المواشي وزاد من أعدادها ليحمل لأرضه ما لا تستطيع تحمله، فتدهورت البيئات من حوله، فاختفى الغطاء النباتي من مناطق، وتغيّرت أشكال بيئات أخرى من جراء ذلك، وزادت النشاطات البشرية السلبية الأخرى من قطع الأشجار وتغير استخدامات الأراضي الطبيعية بدون دراسات بيئية مسبقة، مما دق ناقوس الخطر في اختفاء أنواع وظهور أخرى دخيلة تضر ببيئة المنطقة وسكانها. وعليه فقد أنشأت دول المجلس وزارات وهيئات تهتم بالمحافظة على الحياة الفطرية وموائلها، ولمشاركة دول المجلس لنفس البيئات وأنواع الحياة الفطرية، فقد اجتهد القائمون على شؤون الحياة الفطرية، وقدر قيادة دول المجلس ضرورة الأخذ بمبدأ المحافظة على التراث الفطري بكل أنواعه، وأخذ في الاعتبار عند إعداد إستراتيجيات وأهداف الخطط الوطنية، وتنفيذا للسياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة، فصادق عليها المجلس الأعلى في دورته السادسة في مسقط عام 1985م، والمتضمنة البند السابع الذي ينص على: «تطوير القواعد والتشريعات والمقاييس اللازمة لحماية البيئة، والعمل على توحيدها وترشيد استخدام الموارد الطبيعية والمحافظة على الأحياء الفطرية»، وقد تكللت هذه الجهود بموافقة المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بدورته الثانية والعشرين - مسقط 30-31-12-2001م على اعتماد اتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية في دول المجلس، وتهدف الاتفاقية إلى المحافظة على الحياة الفطرية في حالة سليمة متنامية وبخاصة الأنواع المهددة بالانقراض ولا سيما عندما يتجاوز انتشار هذه الأنواع الحدود الدولية لدولتين جارتين أو أكثر أو حينما تهاجر هذه الأنواع عبر تلك الدول بما في ذلك المياه الإقليمية والمجال الجوي الخاضع لسيادتها. ومن ذلك اليوم حتى يومنا هذا فقد عقدت الاتفاقية 16 اجتماعاً لأعضائها، آخرها كان في شهر محرم الماضي 1438ه في جدة والذي كان من أهم مواضيعه مناقشة طرق تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين للتكامل بين دول المجلس. يوم الحياة الفطرية بدول مجلس التعاون الخليجي يأتي يوم الحياة الفطرية بمجلس التعاون الخليجي هذا العام بعد القمة الخليجية ال 37، التي عقدت بالمنامة في بداية هذا الشهر، وترقب الجميع من أبناء خليجنا العربي إلى مخرجات تعزِّز التحول لتحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في تكامل دول مجلس التعاون الخليجي، والتي أطلقها ملك الحزم في القمة 36، ورحب بها قادة دول المجلس وبدأ العمل لتحقيق هذه الرؤية لما يعود على أبناء خليجنا بالخير والرفاهية. وليسمح لي قادتنا العظماء، قبل أن أسترسل في مقالتي أن أستخدم كلمة (تكامل) دول مجلس التعاون الخليجي في بعض المواضع من مقالتي هذه قبل إعلانه، فنحن فعلياً نعيشه على أرض الواقع تحت قيادتكم الحكيمة، وما اتفاقية الحياة الفطرية بين دول مجلس التعاون الخليجي إلا جزء يسير لما تولونه من اهتمام لكل ما على أرض خليجنا العربي من مصادر طبيعية لمصلحة مواطني دول المجلس. ولأهمية رفع مستوى الوعي بأهمية المحافظة على الحياة الفطرية بدول المجلس، فقد أقرّت اللجنة الدائمة لاتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية وبيئاتها الطبيعية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع الثالث عشر للجنة الدائمة للاتفاقية، والذي عقد في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بالرياض عام 2015م، بأن يكون يوم اعتماد الاتفاقية وهو الثلاثون من شهر ديسمبر من كل عام ليكون يوم الحياة الفطرية بدول المجلس. وعليه ومن خلال خبرتي المتواضعة في مجال حماية الحياة الفطرية والتنوّع الأحيائي فقد أحببت من خلال هذه المقالة أن أقدم بعضاً من المقترحات والمبادرات التي ربما تسهم في تجسيد التكامل المنشود في الرؤية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله. محميات عبر الحدود لقد منَّ الله علي بالعمل في بحر وبر بعض دول المجلس، وقمت بتدريب بعض من شبابه على برامج المتابعة، والإشراف على دراسات بعضهم الآخر، تَشَارَكْنا خلالها في بناء خطط للحماية، أصبح حلم تطبيقها مطلباً للمحافظة على الحياة الفطرية في أرض دول مجلس التعاون الخليجي ومنها: إنشاء محميات مشتركة عبر حدود دول المجلس برية وبحرية لعدد من الحيوانات المهددة بالانقراض ما زال بعضها موجوداً في بيئاته الطبيعية برية أو بحرية، وربما يسهل قيام مثل هذه النوعية من المحميات بدول المجلس خاصة أن لدى دول المجلس محميات على الحدود مثل محمية أم الزمول بالإمارات، ومحمية الشيبة التابعة لأرامكو السعودية، وكلاهما محميات أعدت لإعادة توطين المها العربي، وهو أهم نوع تركزت عليه برامج الحماية بالمنطقة، وقدمت تجربة توطينه بدول المجلس دروس بُني خلالها خبرات أصبحت عالمية بفضل الله ثم بجهود العاملين بدول المجلس، كُتِبَ على أثرها أول الإرشادات التطبيقية لإعادة توطين الحياة الفطرية تبناه الاتحاد العالمي لصون الطبيعية (IUCN). كما لا يخفى على الجميع دور دول المجلس في المحافظة على طيور الحبارى ومساهمتها في الإستراتيجية العالمية للحبارى والتي تتطلب وجود محميات مشتركة وملاذات آمنه لطيور الحبارى وللمعلومية فقد أوصت عدد من الدراسات وورش العمل بالمنطقة وفي العالم على أهمية وجود محميات عبر الحدود، وهناك تجارب بإفريقيا وأوروبا. ولا تقتصر هذه المحميات على المناطق البرية، فالبحرية تأخذ حيزاً مهماً خاصة أن هناك أنواع تتنقل بين بيئات بحرية تتقاسمها دول المجلس مثل بيئات الحشائش البحرية والمهمة للعديد من الحيوانات البحرية والمهدّدة بالانقراض على المستوى الإقليمي والعالمي منها: السلاحف البحرية كالسلحفاة الخضراء، والتي يعتمد البالغ منها في تغذيته على الحشائش البحرية، فنجدها تتنقل بين دول المجلس للحصول على غذائها من حشائش بحرية والمنتشرة في بيئات تتقاسمها دول المجلس. وقد أكدت دراسات المتابعة بالأقمار الاصطناعية ذلك. ومن الحيوانات الأخرى المهمة والمهددة بالانقراض، والتي تشارك السلاحف الخضراء بيئات الحشائش البحرية بالخليج العربي وتتنقل بين دول المجلس «حيوان الأطوم»: والمعروف أيضاً بعروسة البحر، وهو من الثدييات البحرية، ويعتبر الخليج العربي من أهم موائله خاصة منطقة خليج سلوى الواقعة بين المملكة العربية السعودية وقطر، والمنطقة الواقعة بين المملكة والإمارات العربية المتحدة، كذلك على جانبي دولة البحرين. وقد ذكرت إحصاءات في نهاية الثمانينيات بأن عدد عرائس البحر في الخليج العربي يقدر بحوالي 7300 حيوان، وعليه فقد أعتبر هذا القطيع والموجود في خليج سلوى هو ثاني أكبر قطيع في العالم، ولكن مع زيادة الضغوط السلبية، فقد أشارت الدراسات الحديثة إلى تناقصه بشكل كبير، وعليه فإن إنشاء محمية بحرية مشتركة في الخليج العربي أصبح ضرورة لحماية هذا النوع، كما سيحافظ على التنوّع الأحيائي البحري بالمنطقة بشكل كامل. القوائم الحمراء لدول المجلس ينظر المهتمون بمجال المحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض والتي وضعت بقوائم تعرف بالقوائم الحمراء للأنواع الفطرية، بأنها الأساس في تحديد الأولوية في برامج الحماية، فنجد الكثير من الاتفاقات الدولية الخاصة بالمحافظة تركز نشاطها على هذه الأنواع، فمثلاً اتفاقية التجارة بالأنواع المهددة بالانقراض والتي تعرف باتفاقية سايتس، وهناك اتفاقيات ومذكرات تفاهم قسمت الأنواع ذات العلاقة على ملاحق تحدد مدى ندرتها، وتقيمها في القوائم الحمراء، لذا فإن الكثير من المنظمات والهيئات في معظم الدول تهتم بتحديد هذه الأنواع ليس فقط من أجل ارتباطها سياسياً بالاتفاقيات البيئة بين الدول، لكن أيضاً لأهميتها في تحديد أولويات الحماية، بحيث تستطيع وضع الميزانيات المناسبة للنشاطات التي تؤدي إلى حماية هذه الأنواع المهددة بالانقراض، كذلك لاستخلاص وتحديث التشريعات البيئية المنظمة لتجارة أو صيد الحيوانات، بالإضافة لكل ذلك فإن معرفة القوائم الحمراء للأنواع مهم لوجود تنمية مستدامة فلا يكون هناك مشروع تنموي على حساب البيئة والتي تلعب الأنواع البرية جزء حيوي مهم فيها. ومما ساهم في تحديد عدد من الأنواع بالقوائم الحمراء ورش العمل السنوية للمحافظة على الحياة الفطرية والتي تعقد سنوياً بالشارقة تحت إشراف إدارة المحميات الطبيعية، ويرعاها سنوياً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة - حفظه الله -. وحقيقة فقد ساهمت هذه الورش في تحديد أولويات الحماية للمحافظة في دول المجلس، وعليه فإن تبني تلك القوائم وجعلها من أولويات الحماية مع النظر لإمكانية دعمها من خلال سكرتارية المجلس أو من خلال إنشاء صندوق يدعم الدراسات والبرامج التي تهدف للمحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض بدول المجلس. أكاديمية ومركز بحوث للحياة الفطرية على الرغم أن دراسات ومتابعة الحياة الفطرية من المجالات الجديدة بالمنطقة، إلا أن الكثير من البرامج التي أقيمت على أرض الخليج في مجال الحياة الفطرية، وصلت للعالمية كمشروع توطين طيور الحبارى والمها العربي بالإمارات والسعودية وعمان، إلا أن ما يُؤخذ على هذه البرامج أنها اعتمدت على مستشارين من دول غربية من أوروبا وأمريكا وجنوب إفريقيا وأستراليا، لكن لم يكن لأبناء خليجنا العربي نصيب لتعلم بعضاً من أبجديات دراسات ومتابعة الحياة الفطرية بالشكل المرضي، وعليه فإن تكوين خبرات محلية بدول المجلس يحتاج إلى إعداد علمي عال يتضمن تدريباً ميدانياً للعاملين بهذا المجال خلال الإعداد وعلى رأس العمل، بالإضافة إلى معرفة التجارب العالمية المتعلّقة بمجال المحافظة على التنوّع الأحيائي، ومعرفة إمكانية تطبيقها وتحديد المعوقات والمهددات التي تواجه الحياة الفطرية. وعليه فإن وجود أكاديمية تقدِّم مواد تخصصية مع تدريب ميداني تطبيقي في المحميات وتخصصات متعددة تساهم في تطوير قدرات المنتسبين إليها والتي منها: - إدارة المحميات الطبيعية: وهذا التخصص لإعداد كوادر تدير المناطق المحمية وإعداد الخطط والمتابعة. - الدراسات البيئة: وهذا التخصص يهتم بتعريف المنتسب على الطرق العلمية لدراسة ومتابعة الحيوانات البرية. - الرعاية البيطرية للحيوانات البرية: من المعروف أن التعامل مع الحيوانات البرية يعتبر من التخصصات المطلوبة بمنطقتنا العربية، خاصة مع انتشار بعض الأمراض والتي ترتبط بالأنواع البرية، وكما شاهدنا مؤخراً بمشاكل حمى الضنك، وأنفلونزا الطيور. - التقييم البيئي: هذا يهتم بكيفية إعداد الدراسات المتعلّقة بالتنوع الأحيائي عند إعداد دراسات التقييم البيئي للمشروعات التنموية والتي هي مطلب أساسي في ملف الحصول على تصريح للمشروعات. - القانون البيئي: وهذا التخصص يعرف بأنظمة البيئية والقوانين الدولية والاتفاقيات الدولية. - الإرشاد السياحي البيئي: وهذا مرتبط بتطوير المحميات لفتحها للسياحة والاستفادة منها، ولهذا التخصص أهمية كبيرة في وقتنا الحاضر، فمعظم دول المجلس لديها برامج لتطوير السياحة البيئية داخل المحميات وخارجها. وإذا كان لهذه المبادرة قبول، أن تقوم الجامعات والعاملين في الحياة الفطرية بدول متقدّمة ومن دول المجلس لإعداد المخططات والمعامل. والحقيقة أن مركز أبحاث واستشارات بالحياة الفطرية تابع للأكاديمية ربما أصبح ضرورة بالوقت الحالي ليقدم خدماته للقطاع الحكومي والخاص، من خلال الدراسات العلمية والبرامج التدريبية للمتخصصين والعاملين في مجال الحياة الفطرية، وحمايتها في دول المجلس، كما يقدم خدمات للمجتمع من خلال عمل الدراسات البيئية وتطوير طرق المتابعة للحياة الفطرية ويقدّم دراسات تطبيقية تطويرية لدول المجلس، وتطوير قواعد معلوماتية عن الحياة الفطرية بدول المجلس. مؤتمرات الحياة الفطرية والدراسات البيئية المشتركة أتذكر أن أول مؤتمر علمي للحياة الفطرية بالخليج العربي عقد في المنامة منذ أكثر من 25 سنة، ولا أذكر مؤتمراً آخر وحقيقة نحن بالفعل بحاجة إلى مثل هذه اللقاءات التي يقدّم فيها أبناء الخليج دراساتهم عن التنوّع الأحيائي بالخليج العربي، كما يسهم تبادل الخبرات في تحديد أولويات البحث العلمي للعاملين بمجال البحث العلمي بالجامعات والمراكز العلمية بما يخدم المحافظة على الحياة الفطرية، مما يجعل البحوث العلمية الصادرة عن الجامعات موجهة لحل مشكلاتها وتسهم في وضع حلول قابلة للتطبيق، كما تقدّم تجارب دول المجلس في برامج المحافظة والإكثار بالأسر للحيوانات البرية ومتابعة الحياة الفطرية، ويشجع الدراسات المشتركة بين الباحثين وطلاب الدراسات العليا. متحف التاريخ الطبيعي للخليج العربي على الرغم من التنوّع الأحيائي في دول مجلس التعاون إلا أن معظم العينات التي جمعت خلال الدراسات بالمجلس وتم وصفها وتصنيفها، وتكتشف من خلال الدراسات الميدانية والمعملية، ما زالت تتناثر في متاحف عالم، أو بين معامل الباحثين الغربيين، وإن كان بعضها موجوداً في معامل الباحثين بالجامعات، والتي تختفي بعد تقاعده أو تركه لمنصبه، مما يفقد الباحثين عينات غاية في الأهمية، وحسب علمي فقد بدأت دولة قطر الحبيبة منذ مدة ببرنامج لإنشاء هذا المتحف، لكن إلى الآن ما زال يعاني من عقبات، وحقيقة نحن باحثي المجلس نحتاج لمتحف لوضع العينات المرجعية لجميع الحيوانات التي تم تصنيفها ليرجع إليها الباحثون، ومن المعروف أن المتاحف لها دور تعليمي كبير ويرتبط بشكل أو بآخر بالجهات الأكاديمية والتي تعمل على تزويد المتحف بالعينات وتنظيمها ودراستها، كما يمكن أن يضم متحف جيني يوثّق جينات الأنواع بأرض خليجنا العربي. ولا أنسى التنوّع النباتي بدول مجلس التعاون والذي يصل لأكثر من 3000 نوع، وقد بدأت دولة الإمارات بإمارة الشارقة إنشاء الحديقة النباتية، وربما لو تم دعم هذا البرنامج ليصبح متحفاً نباتياً لدول المجلس، ومرجعاً علمياً للباحثين والزائرين للمنطقة، ولتوثيق استخداماتها والاستفادة من نتائج الدراسات للنباتات الطبية المستخدمة في الطب الشعبي التقليدية، لتصبح صناعة يمكن أن تدخل موارد مالية لدول المجلس. البرامج التوعوية التعليمية المشتركة للمحافظة على الحياة الفطرية لا يخفى على أحد أهمية التوعية في المحافظة على البيئة بشكل عام، والحياة الفطرية بشكل خاص، وكم أثارت بعض أفلام سلوكيات الحيوانات والطيور على العديد من الشعوب، فالإنجليز تأثروا بأفلام البي بي سي (BBC) عن الحياة البرية، والتي كان لها دور كبير في تغير سلوكيات هذا الشعب، فأصبح من كان صياداً بالأمس يحمل مناظيره وكاميراته ليشاهد الطيور والحيوانات البرية ويستمتع برؤيتها، وتغيّرت توجهاته فأصبح دعمهم للحياة الفطرية كبيراً جداً، يظهر ذلك من دعم للمنظمات والبرامج التي تهدف لحماية الحياة الفطرية، فالجمعية الملكية لحماية الطيور مثلاً: من أكبر الجمعيات العالمية والتي أصبحت تدعم العديد من البرامج للمحافظة على الطيور والتنوّع الأحيائي حول العالم. وفي منطقة الخليج هناك العديد من أسرار للحياة الفطرية التي يمكن أن توثّق جمال التنوّع الأحيائي بالمنطقة، والتي يجهلها العديد من أبناء الخليج، وهي مطلب ليس على مستوى المحلي ولكن العالمي، فمثلاً قامت شركة الناشونال جيوجرافيك بتصوير سلوكيات غريبة لقرود البابون في جبال السروات بالمملكة لم يعرفها العالم مثل: سلوك تبني القرود لصغار حيوانات أخرى كالكلاب والقطط. وهناك سلوكيات التكيّف للحيوانات البرية في منطقة الخليج، خاصة مع درجات الحرارة العالية في أشهر الصيف، والتي غيّرت مفاهيم علمية، وأذكر هنا كيف أن الدراسات على الحيوانات البرية في صحراء ناميبيا، قام بها علماء من جنوب أفريقيا، أدت لرفض نتائج دراسات أخرى تشير إلى قدرة الحيوانات الصحراوية على رفع درجات حرارة أجسامها إلى ثماني درجات مئوية، فيما يعرف بالهيبرثيميا لتقليل فقدها للماء، والتي سجلت من قبل بالجمل بالصحراء الكبرى، ولكن بعد دراستها في صحارى المملكة العربية السعودية على المها والغزلان أكدت أن الحيوانات في منطقتنا تواجه درجات جداً عالية تجعلها تقوم بهذه السلوكيات من رفع درجات حرارة أجسادها لدرجة قد لا يصدقها العقل. ليس هذا فحسب فهناك العديد من الحيوانات والطيور والنباتات التي يمكن أن تساهم في تغير العديد من المفاهيم للمحافظة على الحياة الفطرية بالخليج، فالطيور البحرية بمنطقة الخليج والتي شاركت وما زالت ترشد صيادي الأسماك بالخليج على مواقع صيد الأسماك، فمثلاً طيور الخرشنة التي تعشش بمياه الخليج ترشد الصيادين لمواقع صيد الأسماك، فهي تكتشف مواقع الأسماك الصغيرة والتي يتبعها أسماك كبيرة ويبحث عنها صيادو الأسماك، كما أن هذه الطيور لها هجرة سنوية يصل بعضها إلى بلدان بعيدة، فقد وجدت طيور تم وضع حلقات على أرجلها في إندونيسيا والهند وسيريلانكا لمعرفة مسار هجرتها، كما أن هناك طيوراً اللوهة (الغاق السقطري) والذي غنى له أهل الخليج بأهاجيز جميلة، وأعجبوا بطريقة طيرانها وكأنها أمواج البحر بطلوعها ونزولها. إن أفلام الحياة الفطرية بمنطقة الخليج والتي تحكي قصتها، سوف يكون لها دور كبير في تغيّر سلوكيات خاطئة موجودة في مجتمعنا الخليجي، منها الصيد الجائر وقطع الأشجار وتلويث البيئة، كما أن عرض لقطات يومية عن حياتنا الفطرية بالخليج العربي وبشكل بسيط ولقطات جميلة، لتقدم رسائل تعرف أبناءنا على تراثهم الفطري، وتعزز مفهوم المحافظة على مقدرات دول المجلس. وأخيراً أود أن أشير إلى أن جميع هذه المبادرات يوجد لها بدايات ونشاطات فعَّالة في إحدى دول المجلس، ولكن على مستويات متواضعة، مثل متحف التاريخ الطبيعي بقطر، والذي يمكن لو دعم من دول المجلس لحقق تكاملاً منشوداً، كما أن مركز التدريب للمحافظة على الموارد الطبيعية بالسعودية لو أعطي الدعم اللازم ليتحول إلى أكاديمية للحياة الفطرية لدول المجلس، وهناك العديد من البرامج كمحميات السياحة البيئية كمحمية المها العربي في الإمارات والمحميات الطبيعية بعمان والسعودية، فلو تم الدعم المالي والمعنوي لحقق الهدف المنشود منه، ولنصل إلى مستوى تطلعات أبناء الخليج العربي وقادته، ولنرى رؤية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- حقيقة في مسيرة التكامل لدول مجلس التعاون الخليجي. د. محمد شبراق - عميد البحث العلمي وشؤون المكتبات بجامعة الطائف ومستشار غير متفرِّغ بالهيئة السعودية للحياة الفطرية - رئيس اللجنة التنفيذية للبيرد لايف إنترناشونال لإقليم الشرق الأوسط - عضو اللجنة الفنية العلمية لمذكرة التفاهم للمحافظة على الطيور الجوارح المهاجرة بين إفريقيا وأيور وآسيا.