انتقل إلى رحمة الله تعالى المؤرخ الشيخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد عن عمر ناهز ال 88 عاما قضاها كظاهرة توثيقية متفردة ومؤرخ خاص في اهتماماته. وقد عاش الفقيد الرويشد - المولود في الدرعية عام 1928 - في حارات مدينة الرياض، وعرف أزقّتها وأسواقها وبساتينها، وعاصر التحوّلات التي شهدتها عبر ثمانين عامًا. نذر الشيخ الرويشد نفسه للعلم والمعرفة والإبداع والمطابع والتأليف والتحقيق والتأريخ منذ أن غادر الرياض إلى دار التوحيد بالطائف مع طلائع الشباب الذين كانوا النواة الأولى لطلبة العلم والمعرفة والمشاركة في التنمية في المملكة في الخمسينيات الميلادية والسبعينات الهجرية، ومنهم عبد الله بن خميس وعبد الرحمن الرويشد وعبد العزيز السالم وصالح بن رشود وناصر بن خنين وعبد العزيز أبو حيمد وعبد اللطيف بن رشود وعبد العزيز الحميدي وراشد بن خنين وعبد العزيز المسند ومحمد الدريبي وعثمان الحقيل وغيرهم من الطلاب من منطقة نجد، عندما تم بعثهم إلى دار التوحيد بالطائف التي كانت الشرارة الأولى في إضاءات العلم والمعرفة ضد الجهل والتخلف والإقبال على حياة جديدة متواكبة مع المعطى العربي في مصر الملكية والناصرية، وانفتاح المغرب العربي على الثقافات الفرانكفونية واللغة الفرنسية والثورة الجزائرية وحكايات الأدب العربي بدءاًَ من شوقي مروراً بأبي القاسم، لتغرد في الطائف مع شبابنا الشعراء ومنهم عبد الله بن خميس وعبد الرحمن الرويشد وعبد العزيز الرويس وحمد الحقيل وعبد الله العثيمين وغيرهم. وأدرك الفقيد الرويشد العهود السياسية التي مرّت بها، وجالس رجالاتها، وتعرّف على أُسرها وبيوتاتها وأعيانها، وحضر حلقات الدروس مع مشايخها، ودلف إلى صالونات المثقفين من الأمراء ومجالسهم، حيث كان يستمع ويشترك في المناقشات والردود ويدوّن، وكان له من دراسة الشريعة واللغة العربية ونظم القوافي ما مكّنه من التعامل مع أدبيّات التراث وأدواته. كتب الرويشد في العديد من الصحف السعودية ورأس تحرير مجلة الدعوة وخرج بها إلى أسلوب صحافي معاصر يقوم على الحوار والمناقشة وربط الدين بالقضايا المعاصرة وانفتاحه على الثقافات الأخرى، بعيداً عما كان يخشى منه كالماسونية والغزو الفكري والتوجس من الآخر، كان المكان الطبيعي لأمثال هؤلاء الشباب الطلائع هو وزارة المعارف التي عمل بها الرويشد ومثل العديد من الملحقيات فيها وشارك في إعداد المقررات المدرسية في ذلك العصر، وبقي مع العلم والتعليم حتى استدعاه مجلس الأمن الوطني ليكون كبير مستشاريه وحصل على جائرة الأمير سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية ووسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، ومن مؤلفاته (الستون رجلاً خالدو الذكر) و(قصر الحكم في مدينة الرياض) و(إمارات اليمامة من حكم الفوضى حتى قيام الدولة السعودية) و(الجذور الأصلية للتعليم في وسط الجزيرة العربية). وفي مطلع الثمانينات الميلادية أنشأ الفقيد الرويشد مجلة الشبل للأطفال بدعم كبير من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - وبقي منافحاً عن هذه المجلة إلى يومنا هذا.. كما هو مشارك ويشارك في أعمال دارة الملك عبدالعزيز. واستفاد الرويشد كثيرًا من قرابته ومجالسته لابن عمه سعد بن عبد العزيز الرويشد (ت 2014) أحد كتبة الديوان الملكي الملمّ بالتاريخ المعاصر لتوحيد السعودية، وكان قد أصدر عام 1955 ديوانًا عنوانه: «العقد الثمين في قصائد شاعر الملك عبد العزيز محمد بن عبد الله بن عثيمين»، واقترب الرويشد أيضاً من الأديب الموسوعي عبد الله بن خميس (ت 2011) الضليع بجغرافيا إقليم اليمامة (منطقة الرياض) وتاريخه، ليستقي منه المعلومات البلدانية والاجتماعية والتراثية الخاصة بالمنطقة. ومما انفرد به شخصية المقال عن غيره من المنشغلين بالتاريخ المحلي، أنه بنى على أول محاولة وضع نواتها محمد أمين التميمي عام 1945 لتصميم مشجّرة الأسرة المالكة، وكان التميمي (المولود في يافا بفلسطين عام 1907) قدم إلى الرياض في عهد الملك عبد العزيز، ليعمل في البداية في وزارة الخارجية، وألّف كتاب «لماذا أحببت ابن سعود» عام 1946، الذي أعادت الدارة طباعته عام 1999. وبعودة التميمي ثانية إلى السعودية عمل مستشارًا في وزارة المعارف، حيث واصل تطوير المشجّرة وإجراء التنقيحات عليها عام 1966. وبعد تقاعده تولّى الرويشد برغبة من الملك فهد، وضع قاعدة معلومات لها على أسس منهجية حديثة، فأضاف فهارس أبجدية بأسماء سلالاتها وفروعها وجداولها مع إعادة رسم الشجرة كاملة، مستخدمًا الكومبيوتر لرصد فئاتها ومواليدها ووفيّاتها وأعمارها وتعدادها (الذي بلغ قرابة ستة آلاف لكل من يحمل اسم «آل سعود» فيها منذ قيام الدولة قبل نحو ثلاثة قرون)، وصار عمله وفهارسه رافدًا ومرجعًا لأعضاء الأسرة نفسها، وللجهات الرسمية والخاصة المعنية بالتوثيق، وقد طُبعت الشجرة والفهارس طبعات عدة، كان آخرها العام الماضي. نشر الرويشد مقالات تاريخية معمّقة عن شخصيات أسهمت في تأسيس الدولة لم يسبق لسيرها أن وُثقت (مثل محمد بن شلهوب «الشهير بشلهوب»، وهاشم الرفاعي أحد كتبة الديوان الملكي الذي كان زميلاً للملك عبد العزيز في كتاتيب الكويت)، كما عني بتوثيق أسماء الرجال الستين الذي دخلوا الرياض عام 1902 مع الملك عبد العزيز، وكتب تراجم لهم، وألّف في موضوعات نادرة لم تصل إليها يد التوثيق من قبل، فأصدر كتابًا في عام 1992 عن تاريخ حصن «المصمك» في الرياض الذي يعود بناؤه إلى نهاية القرن التاسع عشر وانطلقت منه شعلة توحيد المملكة، وألّف عام 2007 كتابًا عن تطوّر العلَم السعودي وشكله عبر العهود الثلاثة للدولة، مفنّدا مزاعم انفراد شخص أو أشخاص بتصميمه في عهد الملك عبد العزيز، وتضمّن الكتاب وصفًا لشعار الدولة (السيفان والنخلة) والأوسمة والنياشين والشارات والميداليات. ومن مؤلّفاته؛ كتابه في سيرة وزير المالية في عهد الملك عبد العزيز (عبد الله السليمان الحمدان ط 1/ 2001، وط 2/ 2010) وكتابه في سيرة الأمير محمد بن عبد العزيز (ط 1/ 2002)، وكتابه «الجداول الأسرية للعائلة السعودية المالكة»، (ط 1/ 1998، ثم ط 2/ 2012)، وكتابه المتمّم «الفهرس الأبجدي للعائلة المالكة»، (ط 1/ 2014). وقد أسس - إلى جانب اهتماماته بالتأليف في ميداني التاريخ والسير والتراجم - «دار الشبل للنشر» ومطبعتها، وأصدر مجلة «الشبل» للطفل (1981)، كما عمل مستشارًا غير متفرّغ لدارة الملك عبد العزيز، وكان ممن أسهم بفاعلية في التحضير للاحتفال العلمي بالذكرى المئوية لاستعادة الرياض (1999) التي آذنت ببدء تأسيس المملكة العربية السعودية، وكان ممن يركن المسؤولون إلى تقويمهم ما ينشر من كتب تاريخية، وممن يستأنس الباحثون والدارسون بمعلوماتهم وينقلون عنهم، حيث لا تكاد تخلو الكتب التاريخية الصادرة في العقود القليلة الماضية من الاستشهاد بمعلومات يكون الرويشد مصدرها، وقد أسس على مدار هذه العقود أرشيفًا للصور، ومخزنا من المعلومات، ومكتبة لا تقدّر أهميّتها بثمن، بالإضافة إلى مكتب بصدر مفتوح، صار مرجعًا لاستقبال الباحثين.