أظهرت بيانات هيئة الإحصاءات العامة إرتفاعاًبمعدلات البطالة وصلت إلى 12,1 % ارتفاعاً من 11,6% وفي تعليقه على أسباب الارتفاع قال معالي وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني: هذه الفترة تشهد دخول خريجين جدد من الجامعات لسوق العمل، اضافة لتوقف العمل ببعض المشاريع مؤكداً أنه ليس «قلقاً» بحسب ما صرح به لوسائل الاعلام أن لدى الوزارة الحلول للتصدي لارتفاع البطالة، وأن التعاون قائم مع جهات عديدة للحد من تأثير قلة الانفاق الحكومي على العمالة الوطنية. وإذا ما ألقينا نظرة تاريخية لفترة قريبة من العام 2010 م وهو بداية الخطة التنموية التاسعة كانت البطالة 9,6% وهذا الخطة شهدت اكبر انفاق حكومي تاريخياً اذ اعتمد فيها مشاريع خصصت لها مبالغ فاقت 1,5 تريليون ريال بينما فعلياًقد يكون حجم الانفاق زاد عن تلك التقديرات الا ان نسبة البطالة بنهاية الخطة اي العام 2014م كانت تقريباً11,7% مما يدلل ان كل اجراءات التوطين لم تفلح بخفض البطالة حيث كانت الخطة تستهدف خفضها الى 5,5% بالرغم من توظيف اكثر من 800 ألف مواطن ومواطنة خلالها فهؤلاء يعادلون مرتين ونصف عدد من يدخلون سوق العمل سنوياً اي حوالي 300 ألف طالب عمل ، فكيف لايقلق معالي الوزير مع تراجع المؤثرات الفعلية بالنمو الاقتصادي!! والتي ترتكز على الانفاق الحكومي اذ لم تنخفض البطالة للارقام المستهدفة في وقت كان الاقتصاد يحقق اعلى معدلات نمو بمتوسط 5,5% مقارنة بتوقعات نمو لهذا العام 1,8% في أفضل الاحتمالات. كما أن تفسيره بأن ارتفاع البطالة للربع الثالث أحد أسبابه هو الخريجون الجامعيون كفترة موسمية يزيد بها الطلب على العمل من فئات جديدة قد يكون منطقياً لكن لم يظهر أي ارتفاع بالفترات المماثلة بالأعوام السابقة، رغم أنه حدث سنوي ثم كيف يمكن اعتبار أن المسوحات التي قامت بها هيئة الإحصاء قد غطت فعلياً هذه الفئات فالتقديرات تشير الى متوسط تخرج مائة ألف جامعي سنوياً فمنذ النصف الاول للعام 2015م حتى وقتنا الحالي زاد عدد القوى العاملة السعودية بمقدار120 الفاً من 5,6 مليون الى 5,720 مليون، بينما كانت نسبة البطالة 11,5% وعدد العاطلين 647 الفاً فيما يبلغ حالياً 693,8 الف عاطل عن العمل من الذكور والاناث فالزيادة عملياً 47 الف عاطل عن العمل، وهي أقل بكثير ممن دخلوا سوق العمل لفترتي الربع الثالث من العام الماضي والحالي من الجامعيين بمجموع حوالي200 ألف مما يعني أن ربط ارتفاع البطالة بسبب الخريجين الجدد ليس سبباً رئيسياً بل هو ثانوي وروتيني يتكرر كل عام ويحتاج لفترة زمنية أطول لظهوره بين الاسباب الرئيسية لقياسات البطالة ونسبها وما يؤثر فيها. لكن السبب الآخر المتعلق بتوقف بعض المشاريع وتراجع الانفاق الحكومي يعد هو السبب الرئيسي لارتفاع معدلات البطالة والذي يتفق الجميع عليه مع تقديرات معالي وزير العمل، فتراجع الانفاق كان متوقعاً من سنوات بأنه قادم لا محالة ليس بسبب تراجع اسعار النفط فقط الذي كان متوقعاً منذ العام 2012م بأنه سيبدأ باقصى حد العام 2015م ، إنما بسبب تنفيذ الكثير من المشاريع الحكومية التي انتشرت بكافة المناطق من طرق وجامعات ومدارس ومستشفيات ومرافق عديدة، ومن الطبيعي أن يتقلص حجم المشاريع الحكومية والذي ظهر الحديث عنه فعلياً بمسودة خطة التنمية العاشرة التي نشرت على موقع وزارة الاقتصاد والتخطيط العام 2014م والتي كان واضحاً فيها التحولات بالانفاق الحكومي من تقليص وتوزيع زمني اطول لعمر تنفيذ المشاريع، فأين كانت وزارة العمل عن قراءة كل هذه التغيرات المتوقعة من تراجع سعر النفط والانفاق الحكومي كي تستعد لمواجهة هذه التحديات لخفض نسب البطالة وليس ارتفاعها !!. فالتغيرات بالسياسات الحكومية المالية والنقدية والاقتصادية عموماً امر وارد تبعاً للاوضاع الاقتصادية العامة، لكن دور كل جهة ان تتخذ الاجراءات المناسبة لتعظيم الايجابيات وتقليل السلبيات فماذا فعلت وزارة العمل , فالتوطين الموجه كحال قطاع الاتصالات والبدء بنطاقات الموزون كلها خطوات تستحق الثناء والاشادة لكنها غير كافية لمعالجة البطالة مادامت الوزارة نفسها تعترف بانها تصدر ملايين تأشيرات العمل سنوياً، فبحسب بعض الاستنتاجات التي رصدت من مجمل احصاءات سوق العمل ظهر أن عدد فرص العمل التي ولّدها الاقتصاد الوطني مؤخراً 690 ألف ذهب 3% منها للسعوديين !! وهي ارقام كارثية اذا كانت دقيقة وتتطلب توضيحاً من الوزارة ، لكن يبقى لاصدار التاشيرات الدور البارز بارتفاع البطالة وهو ما تتحمل مسؤوليته وزارة العمل وهو من بين اهم اسباب استمرار ارتفاع نسب البطالة بالمملكة طيلة كل السنوات الماضية، خصوصا التي واكبت اعلى فترات النمو والانفاق الحكومي. أعتقد أن القلق سيبقى قائماً ما دامت السياسات التي تتبعها وزارة العمل لم تعالج معضلة البطالة لتمنع اي اثار من تقلبات النمو الاقتصادي على سوق العمل ومحاولات الطمأنة وعدم القلق نقدرها للوزارة ومعالي الوزير لكنها لن تغير من الحقيقة والواقع الا عندما تصدر قرارات واجراءات تدفع بالشباب والشابات لسوق العمل بما يخدم الاقتصاد ويعالج البطالة لا أن يبقيها مثارًا للقلق والشك بالقدرة على وضع الحلول المناسبة والحقيقية لها.