عبر أهداف إستراتيجية أطلقت وزارة الخدمة المدنية مبادراتها ضمن برنامج التحول الوطني، حيث حصرت الخدمة المدنية مبادراتها بثماني مبادرات بلغت تكلفتها قرابة الثمانمائة مليون ريال. ولهذه المبادرات سبعة عشر مؤشر أداء تقيس مدى تحقق الأهداف والتقدم في الإنجاز. حيث نص الهدف الاستراتيجي الأول على: تحسين ثقافة العمل الحكومي، ويرتبط هذا الهدف مباشرة بأهداف الرؤية الوطنية 2030: تمكين المرأة واستثمار طاقاتها وهدف تعزيز التفاعل بين الأجهزة العامة والمواطنين وهدف الارتقاء بمستوى أداء وإنتاجية ومرونة الأجهزة الحكومية، وستكون مؤشرات الأداء المستهدف تحقيقها في 2020 بزيادة نسبة النساء في الخدمة المدنية بواقع 42%، حيث إن المعيار الإقليمي لهذا الهدف هو 36% والمعيار العالمي هو 52% نسبة النساء العاملات في الخدمة المدنية، وكما أن هذا الهدف الاستراتيجي للخدمة المدنية بات مطلباً ملحاً في ظل ارتفاع الوعي الثقافي والمجتمعي بأهمية عمل المرأة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، حيث يحسّن عمل المرأة من اقتصادات الأسرة ويزيد من رفاهيتها وجودة الحياة. ومن مؤشرات الأداء لهذا الهدف الاستراتيجي هو: زيادة نسبة النساء في الوظائف العليا للدولة بواقع 5% حيث إن المعيار الإقليمي لهذا الهدف هو 10% والمعيار العالمي هو 36% نسبة النساء التي يشغرن مناصب عليا في وظائف الخدمة المدنية، ورغم تأخرنا في هذا الهدف وعدم تحقق الطموح فيه حيث إن النسبة المستهدفة ضعيفة مقارنة بالمعيار الدولي إلا أنه يجب الإشارة أن هذا الهدف هو يأتي ضمن حزمة من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي تقوم بها المملكة لصالح المرأة رغم الصراع الثقافي المعارض، فخلال السنوات الماضية قامت المملكة بتحسين وتمكين المرأة من خلال عدة إجراءات لعل أبرزها مقاعد الشورى والانتخابات وذلك يثبت جدية الدولة في تحقيق هذا الهدف بما يخدم التوازن العادل للفرص الوظيفية للجنسين. ويأتي الهدف الإستراتيجي الثاني للخدمة المدنية بتحسين رضا عملاء وزارة الخدمة المدنية ورفع مستوى الارتباط الوظيفي، ويرتبط هذا الهدف مباشرة بهدف الرؤية 2030: تحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات، وكذلك الارتقاء بمستوى أداء وإنتاجية ومرونة الأجهزة الحكومية، ومما لا شك فيه بأن المسؤولية كبرى على وزارة الخدمة المدنية في تحسين مفهوم (خدمة العملاء) في جميع الدوائر الحكومية واعتبار تلك الدوائر بأنها مراكز تقديم خدمة للمواطنين (العملاء) وبالتالي تتطور الخدمات الحكومية التي يحمل الأغلب منها وصمة البطء في الإجراءات والبيروقراطية، من الجميل أن تضع الخدمة المدنية ذلك الهدف المتعلق بتحسين رضا عملاء وزارة الخدمة المدنية كهدف استراتيجي تبدأ فيه بنفسها وهذا هو جوهر العمل المؤسسي الحكومي حيث يخدم الغايات. وفيما يخص تحسين نظرة المواطن ورضاهم عن برامج الخدمة المدنية فذلك وكما هو تحد للوزارة في ظل ارتفاع الوعي للمواطنين وسقف الطموحات إلا أنها مجبرة على تحقيق ذلك الرضا، فالآن الخدمة الحكومية المؤسسية تطورت وأصبح رضا العميل عن الخدمات ذا قيمة اعتبارية ومحل تقييم وعناية من مجلس الاقتصاد والتنمية، وذلك يحتم على الخدمة المدنية بأن تحرص على بناء وإعداد وابتكار برامجها وفعاليتها من واقع حاجات المواطنين وتطلعاتهم وليس من واقع افتراضات المكاتب الفاخرة، فالعميل هو المستفيد الأول من تلك الخدمات المقدمة وحقه علينا بأن نسأله ماذا يريد وما هو طموحه وإشراكه في صناعة القرار الخاص بخدمات مقدمة له سيكون له تأثير على مدى تفاعله وحماسه وبالتالي رضاه التام وهو ما تطمح إليه أخيراً الخدمة المدنية في هذا الهدف الاستراتيجي. وفي الهدف الاستراتيجي الثالث وضعت الخدمة المدنية هدفاً استراتيجياً يتمثل في رفع كفاءة الإنفاق على الرواتب والمزايا والتعويضات، ويرتبط بهدف الرؤية 2030 في تحقيق التوازن في الميزانية والارتقاء بمستوى أداء وإنتاجية ومرونة الأجهزة الحكومية. وهو هدف استراتيجي يقلص الضغط على الصرف من البند الأول وهو الرواتب الحكومية والنفقات والذي أرهق الحكومة بزيادة عدد الموظفين وأثقل كاهلها وأضعف إنتاجيتها، حيث الكم تغلب على الكيف في التوظيف الحكومي، وهذا ملف شائك سيصطدم بثقافة مجتمعية سائدة تعودت على الرعوية إلا أن الوضع الحالي للأداء الحكومي يحتاج لكثير من الإصلاحات العاجلة فهناك بطالة مقنّعة لدى كثير من الدوائر الحكومية التي أصيبت بالتخمة الوظيفية وهناك أنبوب صرف قد فُتح لغير أهله وفي غير محله على سبيل المثال: الانتدابات وخارج الدوام! وليس سراً أن تعرف حجم الصرف السنوي على هذا البند وما مدى الحاجة الحقيقية والعمل المنجز وفق تلك المبالغ المصروفة. لذا كان هذا الهدف الاستراتيجي مرضياً للميزانية العامة وعادل رغم أنه قد يُغضب البعض ممن تعوّد على أخذ تلك المبالغ سنوياً بدون وجه حق. في الهدف الاستراتيجي الرابع لبرنامج التحول الوطني 2020 وضعت الخدمة المدنية هدفاً وطنياً يتمثل في رفع كفاءة رأس المال البشري، وهو يرتبط مباشرة بهدف الرؤية 2030: تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لمواءمة احتياجات سوق العمل المستقبلية وكذلك هدف الارتقاء بمستوى أداء وإنتاجية ومرونة الأجهزة الحكومية. ومن مؤشرات تحقيق ذلك الهدف زيادة نسبة الوظائف المحدثة في الخدمة المدنية، فمن الطبيعي أن يتم استحداث وظائف جديدة تبعاً لاحتياج سوق العمل وتطوراته. وكذلك مؤشر عدد القياديين المستقطبين من القطاع الخاص للعمل في القطاع الحكومي حيث إن المستهدف تحقيقه 2020 هو 300 قيادي، وكما هو معلوم في سوق العمل العالمي بأن موظف القطاع الخاص يفوق في مهاراته وكفاءته موظف القطاع الحكومي لتعرضه لعديد من التجارب واحتكاكه المباشر بالسوق وذلك مؤشر يبشّر بالخير للقطاع الحكومي المتخم بالبيروقراطية والبطء في الإنجاز. مبادرات الخدمة المدنية ببرنامج التحول الوطني حملت معها العديد من المؤشرات الإيجابية للمجتمع، فمن ضمن المبادرات برنامج التميز المؤسسي من ناحية الخدمات المشتركة وتوثيق الإجراءات، فذلك من شأنه أن يقضي على الاجتهادات للمسؤول الحكومي ويجعل إجراءات العمل موثّقة وذات سياسة موحّدة تأخذ طابع العمل المؤسسي المحترف. ومن المبادرات المهمة والملفتة للنظر هي: برنامج تفعيل العمل عن بعد، وذلك مطلب مُلح في ظل تطور التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، وسيزيد من عمليات توظيف المرأة. فكما هو معلوم في وقتنا الراهن بأن هناك الكثير من الصفقات التجارية والعمليات لا تحتاج لمكتب أو الأدوات التقليدية وكل ما يلزم هو هاتف ذكي واتصال بالانترنت، والمجتمع السعودي يتميز بخاصية زيادة عدد الشباب وهم من يقودون الحراك الخدمي والإنتاجي ومن الجميل أن تنخرط الحوكمة في العمل عن بعد والتماشي مع احتياجات العصر. مبادرات الخدمة المدنية قرابة الثماني مبادرات وهي في مجملها تخدم المواطن الموظف وتتكامل مع عدد كبير من المؤسسات الحكومية والخاصة لتنفيذها، وذلك في حقيقة الأمر ما كان ينتظره المجتمع من الخدمة المدنية، فهي من يقود تحسين الوظيفة الحكومية، ومما يبدو ومن حيث المبادرات الفاعلة بأن هناك منافسة إيجابية ستكون بين وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل لإرضاء العميل (المواطن) وإشباع حاجاته وطموحاته.