بعد أن فرضت على حكومة حيدر العبادي الاعتراف بها، وتخصيص موازنة كبيرة تجاوزت المليار ومئتي ألف دولار، انتقلت مليشيات الحشد الشيعي إلى المرحلة الثانية للهيمنة على الدولة العراقية، وأخذ العراقيون يتحدثون عن «الدولة البديلة»، والمقصود هنا دولة الحشد الشيعي الذي يعتمد على فرض الأمر الواقع بالقوة على كل أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية المختصة. وقد كشف عدد من عمليات الخطف التي استهدفت مواطنين في بغداد والمحافظات العراقية، وبالذات الجنوبية، من أن مليشيات الحشد الشعبي بدأت تتجاوز الأجهزة الرسمية وتنفذ عمليات قبض واعتقال المواطنين العراقيين بما فيهم عناصر من الشرطة والجيش، وفي بغداد، وبالتحديد في منطقة الزعفرانية والتي تشكل مدخلاً لبغداد في ناحية محافظة ديالى حصل اشتباك بين مليشيات الحشد الشعبي وعمليات بغداد ووحدات من الشرطة الاتحادية، وبدأت الاشتباكات عندما قامت وحدة من الشرطة الاتحادية بالقبض على خمسة عشر من عناصر مليشيا «النجباء» بسبب إقدامهم على خطف مواطنين عراقيين بحجة اتهامهم بالتعاون مع تنظيم داعش، وبعد القبض على عناصر النجباء، استعدت المليشيا التي تشكلت من النخب العسكرية للحشد أخيراً، والتي تعد لتكون العمود الفقري لقواته، وبعد وصول عدد كبير من عناصر هذه المليشيات هاجمت القوات الأمنية من الشرطة الاتحادية، وأطلقت سراح عناصرها مما دفع بالشرطة الاتحادية إلى الاستعانة بقيادة عمليات بغداد التابعة للجيش، وهو ما وسع دائرة الاشتباكات التي تنذر ببداية فرض ما تسميه المصادر العراقية ب«الدولة البديلة»، والتي تعمل الأحزاب الشيعية والمليشيات المنضوية تحت راية الحشد الشعبي إلى فرضها على العراقيين استنساخاً لتجربة الحرس الثوري الإيراني، وقد تمادت المليشيات الطائفية، ولاحظ متابعو الشأن العراقي أن مليشيات الحشد الشعبي وبعد اعتراف العبادي بها أصبحت تصدر بيانات وتطلق تصريحات تحمل الصفة الرسمية، وقد أصدرت مليشيا النجباء بعد اشتباكات الزعفرانية بياناً تتهم فيه عناصر الشرطة بالتنسيق مع داعش، وأشارت بأن مقاتليها كانوا يستهدفون متواطئين مع داعش داخل الأجهزة الأمنية، وأنها لن تأخذ الإذن من أي جهة. ميلشيا النجباء التي تقود حركة التمرد، وتمثل رأس الحربة لفرض السطوة الإرهابية للمليشيات، لم تكن أعمالها تصرفا ذاتياً، إذ إنها أنشئت أصلاً للانتقال لمرحلة جديدة لفرض سطوة المليشيات الإرهابية على المجتمع العراقي الرسمي والشعبي، فهذه المليشيات التي أطلقت عليها مسمى «النجباء» هي في الأصل مجموعة انشقت من مليشيا «عصائب أهل الحق» والتي يرأسها المتشدد الشيعي قيس الخزامي، وأن هذه المجموعة المنشقة التي يتزعمها أكرم الكعبي أرسلت، وبعد أيام من إعلانها، ألف مقاتل إلى سوريا لدعم قوات بشار الأسد للقتال في جبهة حلب، فكيف يتسنى لهذه المليشيات الناشئة إرسال هذا العدد من المقاتلين والمسلحين جيداً، وفي نفس الوقت تقاتل الأجهزة الأمنية العراقية وتشكيلات عسكرية قوية كعمليات بغداد. هذه التساؤلات تظهر المدى الذي وصل إليه عبث ملالي إيران في العراق وتجنيدهم لعملائهم الطائفيين لتنفيذ أجنداتهم سواء في العراق وفي سوريا معاً.