قنبلة مدوية فجرتها الهيئة العامة للرياضة بالمملكة العربية السعودية، اهتزت على إثرها أركان الوسط الرياضي وعم ضجيجها أرجاء البلاد. فمن يرى ردة الفعل الحاصلة، سيتبادر لذهنه أن الهيئة قد جمدت النشاط الرياضي في البلاد، أو أنها أعلنت عن تهبيط نصف أندية الدوري الممتاز، أو أنها حولت أندية وملاعب كرة القدم إلى قاعات أفراح واستراحات عائلية. كل تلك الضجة كانت نتاج بيان إخباري لا تتعدى سطوره أصابع اليد الواحدة وكان نصه كالتالي: (بحضور سمو رئيس الهيئة العامة للرياضة، يعقد فريق عمل توثيق الرياضة السعودية غدًا مؤتمرًا صحفيًا، حيث سيتم الإعلان عن النتائج والتوصيات) انتهى. مؤتمر يعلن فيه عن بطولات كل نادي. مؤتمر يحفظ لكل نادٍ حقه المكتسب بجهده وعرق جبينه. مؤتمر ترصد فيه جميع البطولات وجميع الأبطال لكي يفاخر كل منهم بمنجزه، ويسعى لتكراره أو توسيع الفارق مع منافسيه. فأين الإشكال إذًا؟ ومن سيغضبه هذا العمل؟ ومن سيجد في حلقه غصة من عرض الحقائق كما هي دون تزوير أو افتراءات؟ لماذا أصدر النصر والأهلي بيانات شديدة اللهجة، تجرّم هذا الفعل المشين، وتتوعد كل من عمل فيه أو شارك فيه؟ لماذا صمتت بقية الأندية، بل كانت متشوقة لسماع نتائج هذا المؤتمر دون تشنج أو (لطميات) استباقية؟ غريب هذا التوافق الأهلاوي النصراوي في التعاطي مع الأحداث، فهما اتفقا على التأجيج على شيء سيعطي الجميع حقه بالتساوي. واتفقا قبل ذلك على الصمت وعدم التعاطي مع من شكك صراحة ببطولاتهما الأخيرة. هل لأن الاتهام طال الهلال أيضًا، ربما؟! الأكيد في هذا الموضوع أن من استاء من سرد الواقع كما هو، هو من قام بتزييفها من الأساس. ومن ارتضى على نفسه وعلى جماهيره وعلى ناديه وسمعته أن تكون محط سخرية وتهكم من كل المنتمين في الوسط الرياضي، بسبب توالد البطولات بلا سابق إنذار، وتكاثرها داخل الخزائن بلا حسيب أو رقيب. فغير المتخصص (ولم أقل المتخصص أو الخبير) ستدمع عيناه من الضحك عندما يرى بطولتين يزعم من يدعيهما أنهما كانا نتاج مباراة واحدة كما وثقه النصر في كتابه البطولي. بطولتان في مباراة واحدة! وسيستمر بالضحك عندما يرى توثيق الأهلي لبطولاته وهي تشمل ثلاث بطولات تحت مسمى (بطولة المصيف) التي يغني اسمها عن شرح هل هي ودية أم رسمية، وعدد آخر من ألقاب كأس الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- بعد تحويلها لفئة سنية أقل من الفريق الأول. لكن هستيريا ضحك العقلاء توقفت فجأة عندما أعلنت الهيئة العامة للرياضة ما يلي نصه: (وجه سمو رئيس الهيئة العامة للرياضة بتأجيل المؤتمر الصحفي الخاص بفريق عمل توثيق الرياضة السعودية إلى وقت لاحق نظرًا لمشاركة المنتخب السعودي) انتهى. هذا التوجيه رغم قصره، فسر كثيرًا من الأمور التي صاحبت فترة اتحاد (الإنذار الأخير)، وأن ضعفه كان مستقىً من مرجعيته التي تشاركه ذات الضعف، وتستجيب لأصحاب الصوت العالي وشريطية البطولات الذين لا يتمنون أن يأخذ كل ذي حق حقه، لكيلا يجدوا أنفسهم يتقهقرون في السلم البطولي، لا لشيء سوى لتفوق منافسيهم عليهم لا أكثر. هذا التأجيل الذي راعى مصلحة المنتخب كما يزعم، يصور لنا أفراد منتخبنا بصغار العقل ومهزوزي الشخصية، وأن إعلانًا مثل هذا لا يمت للمنتخب بصلة لا من قريب أو بعيد سيجعل من هزازي يضيع كرة وهو يواجه المرمى بلا حارس انتصارًا لناديه بسبب حذف (بطولة الشهداء) من سجلاته، أو سيجعل العابد يتعمد إضاعة ضربة جزاء لعدم احتساب بطولة (السوبر السعودي المصري) في سجلات الهلال، أو سترغم معتز هوساوي على التسبب بضربة جزاء على المنتخب السعودي غضبًا من عدم إدراج (دوري جدة والمدينة) في سجلات الأهلي. عذر معيب، يظهر رئيس الهيئة بمنظر الغافل عن الأحداث ونتائجها، وهو الذي كان حاضرًا في لقاء منتخبنا أمام تايلاند وظهر محتفلاً وسعيدًا بانتصاره. ما يقوم به (شريطية البطولات) هو عمل منظم لإسكات فريق عمل توثيق الرياضة السعودية، ودفن نتائج عمله، بل وحتى السعي في حلّ هذا الفريق عن طريق التشكيك بمصداقيته ونواياه وأخلاق العاملين فيه. والهيئة العامة باركت مساعيهم بتأجيل هذا المؤتمر، وأصبحت شريكة من حيث لا تدري (أو تدري) في كل هذا التشكيك بأشخاص باركت انضمامهم لفريق العمل بنفسها. هذا التأجيل المفتوح، بلا تحديد موعد جديد هو فرصة لزيادة الغليان والاحتقان في الوسط الرياضي بأكمله، وتشجيع مباشر لهواة الضجيج لإكمال طريقهم والتشكيك بكل شيء وبأي شيء لمجرد تعويض النقص الكامن في كونهم ليسوا في مقدمة الصف، ولكون طريقهم طويل وطويل جدًا لاعتلاء قمم يدعونها ولا يرونها لبعدهم عنها. التصنيف كان لكل الأندية، ولم يكن لجزء منها فقط. فالعدل الذي يجعل الجميع أمام النظام متساوين كأسنان المشط، لا يُغضب سوى السن المعوجّ. خاتمة... يدٍ ما سرقت.. ما تخاف القطع (مثل شعبي)