مع اقتراب بداية التشغيل الفعلي لقطارات الركاب للشركة السعودية للخطوط الحديدية «سار» في مرحلتها الجديدة التي تغطي أماكن لم تكن تصل إليها من قبل، سوف تتغيّر مجدداً أشياء كثيرة في قلب الصحراء على امتداد خطوط سكة الحديد. فبالإضافة إلى ما سيحققه قطار «سار» من تنمية وتحديث سوف يتغيّر إيقاع الحياة كما عرفه الناس في صحارى الجزيرة العربية منذ آلاف السنين. لقد تعوّد أهل الجزيرة على رعي إبلهم والترحال من مكان إلى آخر نحو مواطن الكلأ عبر الصحراء دون أن تحدهم حدود أو قيود. وقد تغيّر ذلك بالتدريج بعد أن زحفت مشاريع التنمية إلى التجمعات السكانية التي كانت ذات يوم منعزلة في قلب الصحراء وبعد أن امتدت شبكات الطرق الحديثة وقامت مدن وقرى جديدة فتبدلت حياة الناس تماماً. في الأسبوع الماضي، كان قطار «سار» ينهب الصحراء في طريقه من «سامودة» باتجاه «الزبيرة» عندما ارتطم بعددٍ من الإبل السائبة التي كانت تقطع الطريق مما أدى إلى نفوق خمسة عشر رأساً منها! لقد ظلت إبل الجزيرة العربية تجوب الصحراء منذ أن «استأنسها» الإنسان، فكانت هذه الإبل هي «سفينة الصحراء»، وكانت هي الصديق الصدوق للإنسان في حلّه وترحاله. لم تتغيّر الإبل، لكن الصحراء تغيّرت! ومنذ أن تم شق أول طريق حديث في الصحراء وتعالى هدير محركات المركبات من كل نوع قلبت الصحراء ظهر المجن لذلك المخلوق اللطيف الذي تأقلم مع شمسها المحرقة وزمهريرها القاتل وفقر مواردها. أحزن كلما قرأت في الأخبار عن مصرع الإبل في حوادث السيارات على الطرق الصحراوية، فالإبل لا تَعْقِل كي تتفادى الخطر، وهي ضحية رعونة قيادة البشر للمركبات أو لامبالاة أصحابها الذين يتركونها تقطع الطرق. وكان يجب على الإنسان أن يحترز لسلامته وسلامتها بوضع السياجات على الطرق أو المحافظة على السياجات وعدم قطعها في حال وجودها. وللأسف، كانت الحادثة الأخيرة بسبب قطع السياجات التي تحمي سكة الحديد. ويبدو أن شركة «سار» تحاول نشر التوعية بين الناس من خلال حملتها التوعوية «المقصد سلامتك» والتي دشنتها في بعض المناطق التي تخترقها القطارات. لا بد من تكثيف حملات السلامة على الطرق، إن لم يكن من أجل هذه المخلوقات الوديعة «الإبل» فمن أجل البشر أنفسهم الذين في كثير من الأحيان يكونون هم الضحية والجاني في آن واحد.