بأسلوبه المميز، وصوته الجاذب، وقدرته الفريدة على استحضار الآيات والأحاديث والأدلة والبراهين، وطريقته المشوقة في العرض، ألقى معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في جامع الإمام تركي بن عبدالله بمدينة الرياض في يوم الخميس غرة هذا الشهر محاضرة قيمة من حيث الموضوع وأهميته والحاجة إليه، وكانت عن «جمع الكلمة ولزوم الجماعة»، ابتدأها بإظهار سروره بطرح هذا الموضوع المهم في حضرة سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وقال نجتمع ونلتقي على الخير والتعاون على البر والتقوى، وطرح موضوعًا مهمًا وحساسًا ودقيقًا يحتاجه الصغير والكبير الذكر والأنثى القريب والبعيد؛ ليعرف ما له وما عليه، وكيف يتعامل مع الشبهات والشهوات والآراء والانحرافات والجماعات والتنظيمات والتحزبات والاتجاهات التي تواردت وتوافدت وتكاثرت وتناثرت في زمن للفتن فيه صولة ولأربابها ودعاتها جولة، ألا وهو جمع الكلمة ولزوم الجماعة وإن حديثي عن هذا الموضوع سنتطرق إليه من خلال النقاط الآتيه: الأولى: تمهيد ومدخل إلى هذه المحاضرة المهمة إن الله عز وجل بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، بعثه والعالم أجمع والعرب على وجه الخصوص يعيشون حالة من الفوضى والاختلاف والخلاف والشرك والبدع والجهل والتناحر والتباغض والتدابر والعصبية القبلية التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ بل إن القوي في ذلك الزمن يأكل الضعيف، والغني يستعبد الفقير ويمتلكه ويوجهه حيثما يريد، بل وأبعد من ذلك كان بعض المجتمع يعد سقطاً من المتاع لا قيمة له ولا منزلة ولا أهمية ألا وهو المرأة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه بهذا الدين العظيم الذي أنزله عليه في القرآن والسنة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، يقول الله عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ، ويقول سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ . وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاهيم في أقواله وأفعاله وتقريراته وكل أحواله وتحولاته، حتى إنه أدب بعض صحابته الذين خالفوا ذلك وابتعدوا عنه كما ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي ذر، ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم اعتز العرب بوجه خاص والمسلمون بوجه عام وصارت لهم مكانه ومنزلة عالية وهيبة لم تكن لهم قبل ذلك بل إنه قادهم إلى أنهم يقومون بالحق وبه يعدلون، وكانت الجماعة والإمامة في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته وخلفائه الراشدين قويتين عزيزتين مهابتي الجانب لا يمكن لأحد أن يتعرض لهما أو أن ينالهما بسوء أو يتنقص قدرهما، أو يأتيهما بأي أمر يمكن أن يؤثر على ما حصلا عليه من قوة ومكانة، إلا أن قضاء الله الكوني والشرعي ثابت ولا بد أن يقع، فبمرور الزمن وتغير الأحوال ظهرت بعض البدع التي كان لها أثر واضح في التأثير على جماعة المسلمين وأئمتهم، وكانت الشرارة الأولى والمنطلق لذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد قافلاً من غزوة حنين وجعل يقسم الغنائم وأعطى صناديد نجد أكثر من غيرهم تأليفاً لقلوبهم، قام رجل يدعى عبدالله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال يا محمد اعدل، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأحمر وجهه وقال من يعدل إذا لم أكن أنا أعدل أتأمنوني على وحي الله ولا تأمنوني على هذه الدنيا، فقام عمر بن الخطاب وقيل خالد بن الوليد رضي الله عنهما جميعاً وأرضاهما فقال يا رسول دعني أضرب عنق هذا الرجل أو هذا المنافق، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال -وانظروا إلى ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لتتعظوا وتعتبروا وتتبينوا وتتبصروا وتدركوا الحقائق والمفاهيم والمقاصد- قال «يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» وفي رواية «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» وفي رواية أخرى «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد».. وفي الحديث الصحيح الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب على قتلهم لمن قتلهم أن يدخل الجنة فقال: «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، يَقْتُلُهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَأَقْرَبُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، بل وأبعد من ذلك كما في حديث أبي أمامة صُدَيّ بن عجلان أنه وصفهم بأنه كلاب النار مرة أو مرتين أو ثلاثاً كما ثبت في ذلك الحديث المخرج عند الإمام أحمد في مسنده وأبي داود وابن ماجة والهيثمي في الزوائد عن أبي العالية رحمهم الله جميعاً. قول النبي صلى الله عليه وسلم «يخرج من ضئضئ هذا» قال ابن كثير ليس المقصود من نسبه وأصله، بل من شكله ومن سار على فكره ومنهجه وعقيدته، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكد على أن هؤلاء القوم الذين ابتدعوا الخروج على ولي الأمر وجماعة المسلمين يخرجون في كل وقت وكلما خرج منهم قرن قُطع إلى قيام الساعة. ولذلك نرى اليوم وجودهم وتجمعاتهم وآثارهم ظاهرة في كثير من المجتمعات يلبّسون ويدلّسون ويحسنون القبيح ويقبّحون الحسن ويرفعون عقائرهم ليدسوا السم في العسل ويعملون أعمالاً يقصدون منها الضرب في أسس جماعة المسلمين والنيل من تماسكها ووحدتها في أي مكان أو أي زمان وجدوا فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح المخرج عند البخاري: «لما نزل قول الله عز وجل: قُل هُوَ القادِرُ عَلى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذابًا مِن فَوقِكُم قال: أعوذ بوجهك أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم قال: أعوذ بوجهك أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ ، قال هاتان أهون»، قال الإمام الطحاوي: إن الله عز وجل بيّن أنه سيلبسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من هذا الأمر وأنه فيهم جاهلية، أي ما يعملونه ويقومون به ويدعون إليه. وفي هذا الزمن تكاثرت الآراء وانتشرت الأهواء والأضاليل والأباطيل والتزييفات والانتحال والإبطال بصورة لم يعهد لها التاريخ نظيراً، ولذلك فإن هذه الجماعات والأحزاب والتنظيمات وُجهت إلى عقول بعض الشباب والشابات والناشئة وركزت على أمور وقضايا لا حقيقة لها، بل تستخدم من أجل تفعيلها ووجودها بين أبناء المجتمع هذا أو ذاك إثارة العواطف العواصف وتحريك الغير الفائرة والعمل على أن المراد منها الإصلاح والصلاح ونحن نقول: أين هم من ذلك؟ بعدوا عنه كما بعدت الثريا عن الثرى ومع الأسف أن بعض الشباب والشابات يقعون ضحية وفريسة لدعاة هذه الجماعات والأحزاب وبطريق غريب ملتبس مشتبه تستخدم من أجله ولتحقيقه وسائل وأدوات وأسانيد ومناهج وطرق متنوعة ومتعددة، والأعجب والأغرب من ذلك أنها تبلغ في الأثر والنيل من عقول هؤلاء الفتية ونفوسهم مبلغاً لا يعلم الإنسان كيف وصلوا إليه، حتى إن هذه الجماعات بحقدها وكراهيتها وبغضها وحسدها لكل خير وفضل أصبحت طوقاً نارياً يحكم أعناق من ينتمي إليها وزلازل وبراكين تؤجج نفوسهم وتؤثر على كل أحوالهم، حتى إنهم يفجرون أنفسهم فيذهبون ضحية لأهداف ودعوات مشبوهة، بل إنهم يعقدون الولاء والبراء لهذه التوجهات والأنظمة. وإذا تأملت أخي المسلم وتدبرت في هذا الأمر رأيت أنه يحاك وينظم ويخطط له بطرق عجيبة خفية وظاهرة حتى إن أبناء المسلمين أصبحوا هم الذين يخططون وينفذون، فهم الحطب والجامع للحطب والموقد في الحطب، هل يمكن أن يكون ذلك أيها الإخوة؟ إنما هي الانحرافات العقدية والشبهات التي لبّس بها على عقول وأفكار الناشئة، ولا يمكن أن ينقيها ويصفيها ويجعلها تسير على ما جاء في الكتاب والسنة ومنهج سلف هذه الأمة إلا العلماء المحققين الربانيين الذين يعملون لتحقيق أمرين لا بد من وجودهما على أرض الواقع لنواجه هذا المد الخطير الذي إذا لم نقم بواجبنا تجاه صده ورده ودحره من أي اتجاه، فإنه كما وقع لأناس بعيدين فلا قدر الله يقع لنا، وهذان الأمران هما: الأمر الأول: التصفية، أي تصفية العقائد والأفكار والمناهج من كل ما داخلها وأثر عليها من قريب وبعيد لتكون على وفق ما أراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعمل به علماء الأمة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا. الأمر الثاني: التربية، أي تربية الأبناء والبنات والطلاب والطالبات، بل وأبناء المجتمع على مختلف سني عمرهم على ما جاءت به هذه الشريعة من الأصول والقواعد والثوابت والمبادئ التي لا نجاة ولا سعادة ولا فلاح إلا بالأخذ بها والسير على ما جاءت به. النقطة الثانية: أهمية الجماعة والاجتماع وجمع الكلمة الجماعة نوعان: النوع الأول: هي الجماعة الصغرى، وهي جماعة الصلاة أو التي تنعقد بها صلاة الجماعة وهذه الجماعة تتكون من إمام ومأمومين مأمورين باتباع الإمام وعدم مخالفته، يدل على ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام لتأتموا به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين»، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»، مما يدل على التصاق المأمومين بالإمام وأهمية هذا الإمام، ولذلك فإنه تجب متابعته وتحرم مسابقته أو مخالفته وتكره موافقته. وهذه الجماعة بهذه الصفة وهذا المفهوم هي توجيه ودليل وبيان إلى النوع الثاني من أنواع الجماعة. النوع الثاني من أنواع الجماعة هي: الجماعة الكبرى، وهي التي ينتظم فيها أفراد الأمة الإسلامية جميعاً إذا كانت مجتمعة أو أفراد البلد الواحد فيما سوى ذلك تحت ولي أمر أو أمير يسمع له ويطاع، وهذه الجماعة يجب علينا جميعاً أن نحافظ عليها وأن نحفظها، وأن نقوم بحقوقها وألا نؤثر على قوتها أو كيانها أو أي أمر مما يجعلها تكون سهلة المنال من الأعداء. ولذلك فقد عرف بعض العلماء الجماعة بأنهم القوم الذين يستمسكون بالكتاب والسنة ويؤثِرون كلام الله على غيره من الكلام، ويقدمون كلام النبي صلى الله عليه وسلم على كلام غيره، وقيل إن الجماعة هم الجماعة التي تسمع وتطيع لأمير له السمع والطاعة. وهذه الجماعة بهذا المفهوم يجب لزومها وعدم الخروج عليها بأي حال من الأحوال، وهي ضرورة من ضروريات الإنسان، فإن الإنسان يوصف بالهمّ والحرث ولكنه لا يمكن أن يستغني بنفسه عن غيره من أبناء جنسه مهما أعطي من قوة ومكانة ومنزلة ومال وجاه، ولذلك فإن الله عز وجل يقول في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا . ويقول الناظم: وأبلغ من ذلك قول الله عز وجل في محكم التنزيل أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ . ومن هنا نرى أن الصغير بحاجة إلى الكبير، والكبير إلى الصغير، والمواطن بحاجة إلى الأمير، والأمير بحاجة إلى المواطن، وهكذا فلا يمكن أن يعمر الكون وتثبت الخلافة التي وعد بها بنو آدم إلا بهذا الطريق وهذا الطريق يحتاج إلى من يربطه ويوجهه على ما ينظم شؤون الناس ألا وهو الحاكم أو ولي الأمر أو الأمير، يقول الأفوه الأودي: يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الناس لا بد أن يكون لهم عقيدة يجتمعون عليها، وهذه العقيدة يكون فيها من الأحكام والمبادئ ما تنتظم من خلالها شؤونهم وحياتهم ويُردع فيها الظالم ويُؤخذ الحق منه ويعاد إلى صاحبه، ويقرر هذه القاعدة -التي لو أردنا أن نفصّل فيها لطال بنا المقام- ابن خلدون في مقدمته فيقول: الإنسان محتاج إلى الجماعة لأنه بطبعه ضعيف لا يستطيع تحصيل أمور حياته وتدبير شؤونه إلا إذا وجد من يعينه على ذلك، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}، وهذا الضعف يترتب عليه أنه لا بد أن يوجد اجتماع وجماعة للناس تحكم شؤونهم ويكون لها أثر في إعانتهم على ما يحقق لهم السعادة والطمأنينة والفلاح في كل أحوالهم وتحولاتهم، بل إن ذلك قد كتبه الله عز وجل بالإرادة الكونية والسياسية والاقتصادية والشرعية، ولو تأملت في حال بعض الحيوان لرأيت أن هذا المبدأ يتحقق فيهم، وهو موجود فيهم كما هو الحال في النحل والطير والنمل، وهذا أوجده الله بقضائه وإرادته الكونية القدرية، فما بالنا إذا كان ذلك مطلوباً من الإنسان؟ ألا يكون قيامه به أولى وأوجب وخصوصاً في زمن أصبحت الخلافات والافتراقات والشقاق والنزاع فيها سائداً. إن الجماعة والاجتماع حفاظ على الهوية الإسلامية ولا يمكن أن يوجد الإسلام بلا جماعة بأي حال من الأحوال، ولا يمكن أن توجد الجماعة إلا بطاعة، ولا يمكن أن تتحقق الطاعة إلا بوجود الإمامة، أخرج الإمام أحمد في مسنده والدارمي في صحيحه عن تميم بن أوسٍ الداري رضي الله عنه قال: «لما تطاول الناس في البنيان قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا معشر العريب الأرض الأرض، فإنه لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بطاعة، إنه من سوده قومه بفقه كان خيراً له ولهم، ومن سوده قومه بغير فقه كان هلاكاً له ولهم». وهذا أمر يجعلنا ننادي كل صاحب رأي سديد وقول رشيد من العلماء وطلبة العلم والأساتذة والمدرسين والمربين والموجهين والمعلمين والدعاة والقضاة والمفتين، بل والآباء والأمهات في الأسر والمنازل، بل وأرباب المهن والحرف كل في مكانه وحسب استطاعته.. أن يحقق هذا المبدأ في نفسه ويعمل على تربية أبنائه وبناته به حتى يحفظ نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته، ويكون بهذه الطريقة وهذا الأسلوب صمام أمان من التأثر بهذه الدعوات التي تفد علينا من الشرق ومن الغرب، بل إن بعض دعاتها يتسترون بمنهج خفي فيما بيننا. النقطة الثالثة: لزوم جماعة المسلمين.. أهميته ووجوبه ومستلزماته. هي المحك والمقصد والمعول والذي سنرسي أطناب العلم بإذن الله فيها ونبينها بالدليل الأثري والنظري الذي لا يخرج عن: العِلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان ونبدأ بالحديث عن حكم لزوم جماعة المسلمين حكم لزوم جماعة المسلمين واجب على كل مسلم في أي زمن أو حال أو مكان، ولا يجوز له أن يتعدى هذا الوجوب لأي مبرر أو أمر من الأمور صغيراً كان أو كبيراً، ولذلك فإن الإمام النووي رحمه الله عندما ترجم للأحاديث الواردة في الجامع الصحيح الذي هو صحيح مسلم وذلك ببيان تلك الأحاديث الصحيحة الدالة بوضوح على هذا الحكم؛ قال باب في وجوب لزوم جماعة المسلمين في حال ظهور الفتن وفي كل حال، وأيضاً هذا له مفهوم آخر وهو أنه يحرم الخروج على جماعة المسلمين مهما كانت المبررات والدواعي والدوافع لأن الإمام النووي رحمه الله تعالى أيضاً ترجم للأحاديث الصريحة الواضحة في وجوب لزوم جماعة المسلمين الواردة في صحيح مسلم بأن قال: باب في وجوب لزوم جماعة المسلمين في حال ظهور الفتن وفي كل حال وحرمة الخروج على الطاعة والجماعة. وأما الأدلة على وجوب لزوم جماعة المسلمين وعدم الخروج عليها من الكتاب والسنة فهي كثيرة وجليلة ومتنوعة ومتعددة ومتواترة ومحكمة نأتي منها على ما يمكن أن يسمح به الوقت بإذن الله تعالى: الأدلة على وجوب لزوم جماعة المسلمين وعدم الخروج عليها من القرآن الكريم: الدليل الأول: من الكتاب الكريم هو قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ، هذه الآيات تدل دلالة صريحة وواضحة على أن سبيل المتقين هو الاعتصام بحبل الله عز وجل الذي هو الجماعة، وأن الله سبحانه وتعالى بيّن منّته وفضله على عباده المؤمنين بأن جعلهم إخوة متحابين متآلفين متكاتفين متوحدين بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك فإن قول الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، قال ابن عطية اختلفت عبارات المفسرين في معني قول الله عز وجل (حبل الله)، فقال ابن مسعود رضي الله عنه حبل الله في هذه الآية المقصود به الجماعة، وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة. قال: فقيل: يا رسول الله، وما هذه الواحدة؟ قال أنس: فقبض يده وقال: الجماعة، وقرأ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: عليكم جميعاً بالجماعة فإنها حبل الله الذي أراد، وقال قتادة إن المقصود بحبل الله في هذه الآية هو القرآن الكريم، وهذا مروي عن بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ورحمهم، وقال الإمام القرطبي بعد أن ساق قول من قال إن المقصود بالجماعة حبل الله وإن المقصود بالجماعة القرآن الكريم: وكلها أقوال مؤتلفة متفقة لأن القرآن يدعو إلى الجماعة ويأمر بها والجماعة رحمة والفرقة هلاك وزيغ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المقصود بحبل الله هنا قيل إنه دين الله وقيل إنه القرآن وقيل إنه الإسلام وقيل إنه الجماعة وقيل غير ذلك، ولذلك فإن السلف الصالح رحمهم الله لا يخرجون عن أمر ونهي القرآن، وكانوا أمة مجتمعة على الخير ولم يخرجوا عما جاء في مبادئ الشريعة فكانوا أمة عزيزة قوية مهابة الجانب. قال ابن أبي حاتم رحمه الله: لقي سماك بن الوليد الحنفي ابن عباس رضي الله عنهما بالمدينة فقال ما تقول في سلطان علينا يظلموننا ويشتموننا ويأخذون صدقاتنا أفلا نخرج عليهم؟ فقال يا سماك: لا، أعطهم حقهم. وقال أيضا يا سماك الجماعة الجماعة فإنما هلكت الأمم السابقة باختلافهم ألم تقرأ قول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. الدليل الثاني: هو قول الله سبحانه وتعالى: وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ، فالله عز وجل يبين لنا في هذه الآية أن التفرّق والتحزّب والتشرذم والاختلاف هو منهج وطريق المشركين الذين اتخذوا دينهم شيعاً، ولذلك حذرنا من أن نسلك طريقهم أو أن ننهج منهجهم؛ بل إن الواجب علينا أن نسير على ما دعانا إليه القرآن والسنة من لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، لأنك إذا تأملت في حال أولئك المشركين والأمم الذين فعلوا هذا الفعل رأيت أن كل حزب وشيعة منهم يفرح بما لديه ويرى أن ما هو عليه حق وأن ما عليه غيره باطل؛ بل إن بعضهم يلعن بعضاً ويسبه ويشتمه ويحصل بينهم من التناحر ومن القتال والفتن ما الله به عليم. الدليل الثالث: قول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا لَستَ مِنهُم في شَيء ، فهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والخطاب الذي يوجه للنبي صلى الله عليه وسلم هو موجّه لأمته فلا بد أن تأخذ به وتعمل به وألا تخرج عنه، والله عز وجل في هذه الآية بين أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من أولئك الذين يتحزبون ويتشيعون بل هو أبعد ما يكون عنهم وحذّر منهم أيما تحذير فيما أنزله الله عليه من الوحي في الكتاب وفي السنة. الدليل الرابع: قول الله عز وجل: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا سورة الشورى، قال المفسرون إقامة الدين المقصود بها في هذه الآية هي إقامة التوحيد والمعتقد الخالص النقي من الشوائب والبدع والشركيات، والذي إذا قام الإنسان به وكان بهذه الصفة فإنه عاصم له من الوقوع في إرهاب الفتن ودعاتها ومنقذ له من الوقوع في الشر والفساد والإفساد سواء أكان ذلك فكرياً أو سلوكياً وأخلاقياً. وإنك عندما تتأمل في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لترى أن هذه الآية تتحقق على أرض الواقع فيما قام به ودعا إليه ونادى به، وهذا مثال لا بد أن يرسخ في الأذهان وأن يكون على البال دائماً وأبداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم ظل في مكة ثلاثة عشر عاماً يجاهد ويبين ويدعو إلى كلمة واحدة سواء هي قول لا إله إلا الله، ولم يطلب من أهل مكة ولا من قومه لا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا حجاً ولا واجباً من الواجبات وآمن به نفر قليل، ولكن لما أذن الله عز وجل لنصره ونشر دعوته وقيامها وعزتها وتمكينها.. لما ناداهم إلى لا إله إلا الله أقبلوا عليه ودخلوا في دين الله أفواجاً، كما قرر ذلك الإمام الأصولي الفقيه الشافعي في كتابه الرسالة. ولذلك فإن من يريد أن يحقق هذا ويعرف أثره ومداه وعمقه على كل من آمن به فليقرأ قول الله عز وجل: الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ ، قول الله عز وجل الذين (آمَنوا) أي آمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، (آمَنوا) بأن حققوا التوحيد وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحج بيت الله الحرام، وآمنوا بأن فعلوا الواجبات وتركوا المنهيات وكملوا ذلك بالسنن والمندوبات، وقوله: {وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ} المقصود بالظلم هنا هو الشرك، أي لم يخلطوا إيمانهم الذي سبق بشرك أو بخرافة أو ببدعة مكفرة؛ لأن هذه الآية لما نزلت كما ثبت في صحيح مسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليهم ذلك الأمر وعظم وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فهدأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطمأنهم وقال ألم تنظروا أو تروا قول العبد الصالح {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} فالمقصود بقوله عز وجل: {وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ} أي لم يخلطوه بشرك، فما هي النتيجة؟ وما المحصلة؟ وما الثواب وما الجزاء؟ إنه جزاء عظيم وثمرة لا يمكن أن يتصورها الإنسان لأنه يتحقق له من خلالها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وذلك في قول الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}، الأمن هنا قال المفسرون هما أمنان تامان: أما الأمن التام؛ فهو في الدنيا وذلك بأن يأمن الإنسان على دينه وعقله ونفسه وماله وعرضه، بل حتى على واجباته وتكميلاته وتحسيناته وهذا ظاهر وواضح وجلي لمن تتبع من كانت حالهم كحال هؤلاء من الأمم والمجتمعات منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأعظم مثال وأكبر شاهد على ذلك هو ما تنعم به هذه البلاد السُنية السلفية التي كان وضعها قبل أن يأتي إليها موحدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله لا يخفى على الجميع، فقد كانت شذر مذر مختلفة متفرقة العصبية تخوض بينهم خوضاً، والقبلية مؤثرة في كل مسيرتهم تأثيراً جلياً والجهل سائق والظلم رائد والجوع ساكن والعطش حاصل، فبفضل من الله ثم بما جاء به الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله تعالى، ذلك الملك الصالح العادل والإمام الجليل أبدل الله خوف أهل هذه البلاد أمناً وجهلهم علماً وظلمتهم نوراً وجوعهم شبعاً وعطشهم رياً وخلافهم واختلافهم اجتماعاً واتفاقاً وألفة ومحبة، وعصبيتهم وقبليتهم وحدة شرعية وطنية لا يعرف لها التاريخ المعاصر نظيراً. ولذلك فإننا نتفيأ ظلال عقيدة التوحيد ونغرف من زلالها ونشرب من مائها العذب كما جاءت في نصوص الوحيين الكريمين غضة طرية وسنظل على ذلك بإذن الله تعالى في ظل قيادتنا وولاة أمرنا وعلمائنا، لكن الدور الأكبر والأكثر أثراً وتفاعلاً هو على كل مواطن على مختلف المستويات وتنوع التخصصات.. أن يكونوا درعاً وردءًا وحصناً حصيناً وجبلاً صلداً في مواجهة كل من يروم ديننا وعقيدتنا ووطننا وولاة أمرنا وعلماءنا وجماعتنا بسوء مهما كان جنسه ونوعه وأثره وتأثيره. أما النوع الثاني من الأمن التام: فهو ما يتحقق لمن كان مؤمناً بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ولم يلبس إيمانه بظلم أي شرك من دخول الجنة وزحزحته عن العذاب وهذا هو مرغوب ومطلوب كل مسلم على وجه هذه البسيطة ويتمناه يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ . الدليل الخامس: من الأدلة على وجوب لزوم جماعة المسلمين من القرآن الكريم هو أن الله عز وجل دائماً ما ينادي عباده المؤمنين بصفة الجمع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}، وكذلك قول الله عز وجل {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، وغير ذلك من الآيات ولو لم يكن لذلك مقصود ومفهوم لما ذُكر بتلك الصيغة. الدليل على وجوب لزوم جماعة المسلمين من السنة: سأذكر دليلاً واحداً وأختم به لنكمله في قابل الأيام بإذن الله تعالى.. أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ، وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟، قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟، قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ ؟، قَالَ: قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟، قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟، قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟، قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»، هذا الحديث حديثٌ عظيم جليل كريم فيه من الفوائد المهمة والأحكام الجمة ما لو وعيناها وأدركناها وفهمنا مقاصدها وخصوصاً فيما يتعلق بالجماعة والإمامة لسلمنا من شرور كثيرة ومخاطر متنوعة ومتعددة، ولكان إدراكنا وقناعتنا وإيماننا بذلك أمراً يقف في وجوه الحاقدين والحاسدين، ولذلك اعتبر بعض العلماء أن هذا الحديث من دلائل النبوة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وللحديث بقية إن شاء الله. وفي ختام المحاضرة وجهت له أسئلة كثيرة أجاب على سؤال واحد منها لضرورة الوقت وكان السؤال يقول: كيف نحمي أبناءنا ممن يظهر على الشاشات أو يستغل وسائل التواصل الاجتماعي لتحريض شبابنا؟ وكانت إجابة المحاضر وافية كافية شافية مفصلة ومما جاء غيها قوله: الحقيقة أن المتأمل فيما يدار ويحاك وينشر عبر وسائل الإعلام المتنوعة تقليدية أو ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد يرى عجباً ويحتار ويتألم كثيراً لأن أغلب من يستغلها ويستثمرها هم دعاة واقفون على باب جهنم سواء من يدعو إلى الخروج على أئمة المسلمين وجماعتهم أو إلى عقائد باطلة وفاسدة ومنحرفة أو من يدعو إلى التخلي عن مبادئ الإسلام والتحلل منها وعدم قيام أخلاق الناس وآدابهم عليها، وهؤلاء يتكاثرون يوماً بعد يوم، ثم ذكر أن الوقوف لمثل هذه الهجمات الشرسة المؤلمة يحتاج إلى جهد كبير وعمل متنوع متشعب ليس على جهة واحدة أو إنسان واحد، بل على عدد من المؤسسات والجهات، وأكد على دور الأسرة ووجوب قيام الأب والأم كل بواجبه ومسؤولياته، وعدم التهاون؛ فالمسؤولية عظيمة والأمانة جسيمة على الآباء والأمهات، وثني على دور المسجد المتمم والمكمل وما يكون فيه من كلمات ومحاضرات وندوات، ثم ذكر أن الأمر يكون أكثر إيجابية إذا قامت المدرسة بدورها الفاعل في التربية والتعليم، ثم الجامعة كصمام أمان للعقول والناشئة، أضف إلى ذلك وسائل الإعلام الرسمية وغيرها، وأكد على وجوب قيام كل فرد بدوره وعدم الركون إلى اللوم وإلقاء الحمل على الآخرين. وختم محاضرته التي حظيت بجمع كبير من الحضور وتفاعل مؤثر: وأنا أقولها بكل صدق وأمانه إن دولتنا المباركة بقيادة إمامنا الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي عهده الأمين وفقهم الله لكل خير تدعم وترعى كل منهج سليم وفكر مستقيم وعقل راشد وقول رشيد ورأي سديد، وما يبقى علينا إلا أن نقوم بأدوارنا كمسؤولين ومواطنين، وكما قيل «وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه»، فما بالنا إذا كان هذا الوطن بهامة وقامة المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومتطلعهم والمعينة لقضاياهم والناصرة لكل مسلم فوق كل أرض وتحت كل سماء، ألا يكون الدفاع عنها والقيام بالواجب تجاهها جهاداً في سبيل الله؟ بل إن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله قال مقولة لا بد أن تغرس في أذهان الصغار والكبار: إن العداء لهذه الدولة هو عداء لهذا الدين، وهذا ما يقرره سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وغيره من العلماء حفظهم الله ورعاهم. وللاستزادة حول موضوع المحاضرة يمكن الرجوع لكتاب مفهوم الجماعة والإمامة ووجوب لزومهما للمحاضر.