كل المؤشرات تقول: إن تنظيم داعش يتلقى هزائم تلو الهزائم في العراق، وأن مصيره للتلاشي حتمًا، وأن تحرير مدينة (الموصل) قاب قوسين أو أدنى؛ فالعملية لا تحتاج سوى لتهيئة ساحة المعركة والإعداد لحصرها في أضيق نطاق؛ ويسعى العراقيون - كما يصرحون - إلى أنهم يريدون أن تكون معركة تحرير الموصل بأقل قدر من الخسائر، وبالذات البشرية؛ وخصوصًا أن جميع هذه التنظيمات المتأسلمة، كداعش والقاعدة، لا يكترثون إلى الإنسان وحياته، قدر ما يهمُّهم نصرة الأيديولوجيا التي يقاتلون لنصرتها؛ فهم إذا وجدوا تنظيماتهم في خطر يستخدمون كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، كدرع حماية، كاستخدامهم للمدنيين كدروع بشرية، الأمر الذي يجعل تطهير الموصل من هذه الوحوش المتأسلمة تحتاج للتعامل معها إلى بعض الحيطة والحذر. لكن السؤال: هل هزيمة داعش وطردها ومجاهديها الأجانب من العراق يعني نهاية مأساة العراق والعراقيين؟ ما أجزم به أن نهاية داعش، وإلقائها في مزبلة التاريخ حيث منه جاءت واستقت شرعيتها، هي في تقديري أسهل مراحل بناء وتأسيس العراق الحديث؛ فغني عن القول إن داعش ما كانت أصلاً لتقوم وتتأسس وتسيطر على مساحة جغرافية كبيرة من العراق لولا فساد إداري وسياسي ومالي، (يتذرع) بنصرة الطائفية بينما أنهم من خلالها يتسللون إلى ثروات العراقيين سنة وشيعة وأكرادًا لينهبوها؛ وهذا ما كان مستشريًا في كل مفاصل الحكومة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي ابتداء من 2003، وأنا على يقين أن داعش كانت نتيجة طبيعية لهذا الفساد، فلم يكن بإمكانها أن تبدأ ثم تكبر وتتمدد لولا أن الفساد كان منتشرًا في كل أجهزة هذه الدولة التي بناها الأمريكيون، على أساس المحاصة الطائفية، وعندما أخرج الرئيس أوباما الأمريكيين، سَلّم العراق على طبق من ذهب لإيران، وإيران لا يمكن أن تهيمن على العراق، وتنزع منه سيادته واستقلاله، ما لم يمسك بزمام القرارات عملاء لها، يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها، ويلغون مفهوم الوطن واستقلاله، ويضعون للانتماء (الطائفي) الأولوية المطلقة في سلم الأولويات الانتمائية، بحيث لا تعلوا عليها أية انتماءات أخرى. لذلك فإن مرحلة البناء الحقيقية، والصعبة، هي مرحلة ما بعد نهاية داعش؛ لا سيما أن الجروح الدامية التي خلفتها هذه المنظمة الوحشية في الجسد العراقي، ليس من السهولة اندمالها ونسيان آثارها؛ وفي تقديري أن معركة العراق مع الفساد ومن يستغلون التناحر الطائفي ستكون أصعب كثيرًا من هزيمة واجتثاث الدواعش؛ فغني عن القول إن بقاء الأحزاب المتأسلمة الشيعية في سدّة الحكم سيدافع عنه الإيرانيون المحتلون بكل ما يملكون من قوة، وبقاء هؤلاء العملاء في قمة هرم السلطة يعني أن العراق لن ينال استقلاله وسيادته، فمن مصلحة الإيرانيين أن يفسد هؤلاء، لأن فسادهم يجعلهم يرتمون في الحضن الإيراني لحمايتهم، ما يجعل إيران وملالي طهران، هم من يتحكمون في مقاليد السلطة في العراق. لذلك فإنني أعتقد أن عراق ما بعد داعش في أمس الحاجة لثورة شعبية عارمة تتعالى على الطائقة وتقدس استقلال الوطن العراقي، وتطرد آخر جندي إيراني محتل من العراق. إلى اللقاء