رواية على نهر بيدرا هناك جلست فبكيت لباولو كويلو «نصّ لا يستحق الإشهار» الإشهار خطاب مخاتل يلجأ إليه بعض المؤلفين والناشرين فيعولون على أدواته وتقنياته أكثر من تعويلهم على مضمون ما يكتب، وهو بذلك يسلب إرادة المتلقي ويسوقه سوقا إلى الافتتان بما كتب، ويُدلل على ذلك بروايات باولو كويلو؛ إذ يبدو بوضوح على أغلفة رواياته تكثيف لغة الخطاب الإشهاري الذي يعمد إلى تحقيق البنية الإيحائية؛ لإثارة تفكير المتلقي، فيترك له مساحة لتفكيك الرموز بناء على خلفيته الأيدلوجية وموروثه الثقافي، ويتشكل الفعل المعرفي للخطاب متوازياً مع الفعل الإقناعي؛ لسلب اهتمام المتلقي وانتزاع انتباهه، فالخطاب الإشهاري - الذي يحتل مساحات واسعة في روايات كويلو - يؤدي دوراً مهماً في تلقي القارئ العربي لرواياته؛ إذ يمتد هذا الخطاب إلى عشرين صفحة في الرواية، ويبدأ من صفحة الغلاف الذي تتوسّطه عبارة : «باولو كويلو مؤلف الرائعة العالمية الخيميائي»، فهذه العبارة تستدعي روايته «الخيميائي» الفائزة بجائزة نوبل؛ لتشير إلى تميز هذه الرواية، ومن لا يعرف الخيميائي ستأسره كلمتا (الرائعة والعالمية)، ناهيك عن عبارات الغلاف الأخرى التي هيمنت عليها لغة الإشهار، ففي زاوية الغلاف اليسرى كتبت عبارة «النسخة الأصلية»، ولا يخفى على القارئ ما ترمز إليه الكلمة؛ ممّا يحمله إلى اقتناء هذه الرواية التي يتهافت الآخرون عليها. وتحت عبارة النسخة الأصلية كتبت عبارة «الطبعة الثانية عشرة»؛ لتدل على كثرة الإقبال عليها، أما جانبا الغلاف من الداخل فقد خصص أحدهما لذكر نبذة عن حياة المؤلف، والآخر لذكر أهم الجوائز التي حصل عليها، وكتبه التي صنفت ضمن قوائم (الأكثر مبيعًا)، أما الغلاف الخلفي للرواية فهو يتضمن الحديث عن الرواية، وقيمتها ومنازعها الأيدلوجيّة. ويتميز عنوان الرواية عن سائر روايات كويلو بأنّه يحمل حدثا من أحداث الرواية، ويرمز إلى الأسطورة التي تقول إن كل ما يُرمى في نهر بيدرا يتحوّل حجرا، وفيه لا يبقى للهموم أثر، ومفردة (فبكيت) ذات ظلال وجدانية تثير القارئ. كما تتصدر هذه الرواية مقدمة عن سلسلة أعماله الصادرة بالعربية؛ وهي تؤدّي وظيفة تداولية تجعلها منفتحةً على القارئ العربيّ. والروائي باولو كويلو مولع بالثقافة الدينية والتعاليم المسيحية وفلسفة الحياة؛ لذا جاءت روايته بعتبة تقديمية تتناسب وأيدلوجيته وفلسفته تجاه الحياة، ونصّ العتبة هو : « الحكمة يبرزها جميع أولادها» (لوقا الفصل 7 - الآية 35). إن مقولة كويلو تشتغل على نحو ما ضمن المقولة التي تتصدى لها الرواية، إذ تناقش هذه الرواية صراعات الحياة وتناقضاتها عن طريق الحكمة التي تُؤتى لبعض البشر الذين يهبون حياتهم للآخرين فتهبهم الحياة الروحية الحب، وهذه المقولة تصب في الحقل الدلالي والرؤيوي ذاته الذي ترمز إليه شخصيات الرواية. تقع الرواية في (224) صفحة وهي من القطع المتوسط، أما شكل الخط فيشي بخطابٍ بصريّ مفعم بالرموز قابل لاستثمار تأويلي، ويخضع التشكيل الخطي للصورة القبلية المكونة عند الكاتب عن الموضوع؛ لذا فإن التأمل فيه يفضي إلى استكناه تأثيره في المتلقي دون وعي منه. يشكل حجم الخط في هذه الرواية مظهرًا إشهاريًا يتجلى من صفحة الغلاف ويمتد إلى متن الرواية، فقد كُتِب اسم المؤلف وعنوان الرواية بخط كبير يحتل أكثر من نصف حجم صفحة الغلاف. أما متن النص فقد كتب بالخط الأسود الداكن وبحجم كبير يسمح لمتصفح الرواية بقراءة واضحة، ويتخلّل النص مساحات متباينة من البياض، وتندر الصفحات التي يقل فيها؛ فيشكّل البياض قوة تصويرية تبطّئ سير العين في مواضع، وترغمها على التوقف أمام ما يريد الكاتب إيضاحه، أضف إلى ذلك الطباعة الفاخرة التي قُدّمت بها الرواية. عنوّنت بعض فصول الرواية بتاريخ الحدث، وقد قعت أحداثها في خمسة أيام، تسير الأحداث ببطء ولاتحمل جديدا ولاتكسر أفق التوقع، وتركز على شخصيتين، وباقي الشخصيات تظهر لمساندتهما، وتمثل مشاعر الحب فيها ذروة التماهي مع المعنى الإنساني، كما أنّ الشخصيات تتحاور أكثر مما تفعل، وأفكارها هي أفكار المؤلف؛ لأنه لا يجعلها تتعارض؛ لذلك كلّه فإنّ من يقرأ هذا العمل بوصفه كتابا فلسفيا سيستمتع أكثر من أن يقرأه بوصفه رواية، ولكنّه لا يدرك ذلك إلا في نهاية العمل؛ لأنّ خطاب الإشهار طغى على مضمون العمل.