ثمة قلق ما يعتري شخوص رواية «أبواق الملائكة» للروائي براك البلوي والصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بيروت / لبنان 2016 هذا القلق يتجسد في مفهوم الُحب الذي نشأ بين «زهراء» «وطارق» كشخصيتين أساسيتين في هذا العمل الأدبي. هذا المفهوم الذي قلما تتناوله الروايات العربية على اعتبار أنه يقرن بين مذهبين مختلفين في بيئتين تكادان تختلفان في الأعراف والتقاليد رغم أن المكون الأساس لديانتهما هو «الإسلام» وبالتالي فإن هشاشة تلك الأعراف وتلك التقاليد تجبرهما على أن يقف الزواج حائلا بينهما على حد قول أم زهراء في جزء من الرواية: «أنا لا أعرف الشاب ,لكن مادام هو من حفر الباطن ومو من ديرتنا هاي أكيد بيكون سني ومو شيعي. صح ؟». تقدم الرواية في بداية عرضها للأحداث ذلك الشاب «طارق» حينما تعرض لرصاصة أصابته في خاصرته أطلق عليها «رصاصة الحب» جراء القبض على إرهابيين في منطقة «القطيف» إحدى مناطق شرق السعودية مما استدعى الذهاب به إلى مشفى الدمام القريب من مكان الحادثة وهناك كانت تشرف عليه الممرضة «زهراء» ذات الوجه الملائكي الذي أعجب به «طارق» كما يسرد هنا: «بدأ الإعجاب يتنامى , وبت أراه كنبتة اللبلاب حين تتسلق النافذة بسرعة نموها وتشكل أوراقها ..» إذن هو هكذا الحب الذي نما بين «طارق» «وزهراء» علاقة منسجمة وقد نما سريعا كنبتة رغم مايكتنفه من حيرة وخوف وحالة من التلاطم النفسي بين الذات والضمير الداخلي ., بل تعتبر هذه العلاقة بمثابة التحدي بين بقاء «الحب» أو فشله , وبالتالي يجد قارئ الرواية تشويقا وانجذابا لمدلولات كل حدث جديد في هذه الرواية العاطفية . إن حالة القلق التي أشرت إليها آنفا كانت حالة تشير إلى المابعد وتطرح سؤالا هاما يكاد يكون سؤالا عاما تشعر به كل الروابط الأسرية في البيئة السعودية :إلى ماذا سينتهي هذا الحب بين السني «طارق» والشيعية «زهراء» ؟ كان هذا الاستفهام يقبع في أذهان أسرة «زهراء» بالقطيف وأذهان أسرة «طارق» في حفر الباطن مما يحقق الإشكالية الكبرى التي تنضوي تحت تذويب كل العادات والتقاليد وتقديم قيمة الحب عليها كقيمة إنسانية رغم مخالطتها بحالة من القلق , وبالتالي تخلق السعادة بين العاشقين على حد قول الشاعر الروماني «أوفيد» «ليس هناك من شيء اسمه السعادة الخالصة، فالسعادة دائما ما تمتزج ببعض القلق». ليس سهلا أن تتحرر الذات الإنسانية من قيود المجتمع باعتبار أن التحرر خطيئة ومخاطرة في عرف هذا المجتمع أو ذاك , ومن هنا يسعى كاتب الرواية إلى جعل الحب هو الثيمة التي يجب أن تجابه تلك القيود وتتحرر منها من منطلق أن الحب هو القيمة الحقيقية للحياة وللجمال , عكس مايتم تصويره بأنه فعل مشين وممارسة خاطئة.. تماما كما يؤكد عليها الكاتب في قصة أخرى مدهشة بين الفتاة القبطية المسيحية «إنجي» ومعافا «الرجل المسلم حيث تنشأ بينهما علاقة حب تنتهي بالزواج العرفي رغم تشدد أهلها واقتحامهم شقته لضربه بتهمة اختطافها». هكذا هي أحداث الرواية تذهن للحرية والانعتاق من حالات التأزم التي رافقت شخوص الرواية حتى انتقلت معهم من بيئتهم المحلية إلى بيئة أخرى أكثر انفتاحا «مصر» لكن حتى هذا البلد الذي يعد أكثر انفتاحا لايوطن لحرية الحب بل يجعل الديانات حاجزا وعائقا في إقامة علاقة يكون منبعها الحب. حتى ليبدو الحب أشبه بنبتة زهورها تشبه الأبواق التي تحتوي على المواد السامة على حد قول الكاتب: «أستطيع أن أسميها زهرة الحب والموت... هذا هو حبي أنا ..وربما أنت , هل تعارضني ؟» رؤية الموت لدى الكاتب في هذه الرواية قادرة على خلق الدهشة وحاجة ضرورية للخلاص من هذا الحب هكذا كان يفكر الكاتب حينما جعل مصير «زهراء» الموت على الشاطئ وبذلك يموت الحب بينهما حيث بدأ بينهما بموت صغير حتى كبر وأصبح الموت خالدا ومأساة في تاريخ البشرية التي لابد أن تغير من صيغتها تجاه الحب باعتباره مكون أساس ينحو إلى صياغة الذاكرة العاشقة وفق القيم الإنسانية , يحيل إلى تخصيب المسافات بين الديانات والمذاهب.