عند الحديث عن الرؤية السعودية لعام 2030م وما تضمنته من أهداف طموحة تعتمد على التحول من اقتصاد ريعي قائم على تصدير النفط إلى اقتصاد منتج ومتنوع قائم على القطاع الخاص يجب أن نضع في اعتبارنا أن غالبية دول العالم (وخصوصاً الدول الناشئة) سبقتنا في تنفيذ رؤى اقتصادية مشابهة لما نقوم به اليوم بينما كنا نفتقد مثل هذا التوجه الاستراتيجي بعيد المدى لعقود من الزمن، فالصين مثلاً تنفذ الآن رؤية اقتصادية تريد أن تتحول فيه من اقتصاد قائم على التصدير إلى اقتصاد قائم على الإنفاق المحلي، وتركيا أيضاَ نفذت في عام 2002م برنامج «تركيا الجديدة» الذي نجحت فيه بالتحول من اقتصاد مترهل إلى اقتصاد قوي ينافس الدول الأوروبية. لن أتحدث عن الرؤية السعودية لعام 2030م لأن تفاصيلها كثيرة جداً ولكني سأتحدث هنا عن جزئية بسيطة تمثل في رأيي «المفتاح السحري» لتنفيذ الرؤية السعودية مستقبلاً بإذن الله تعالى، التي قد لا يستوعب بعض منا فهمها بالشكل الصحيح وأقصد تحديداً مفهوم «تحويل الأصول إلى قيمة حقيقية» أو ما يعرف ب Monetizing of Assets، وهو مفهوم اقتصادي ذكي نجحت في تطبيقه الولاياتالمتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بشكل واسع حتى أصبحت أكبر اقتصاد رأسمالي في العالم ثم لحقتها بريطانيا في تطبيقه بعد ذلك خلال حقبة الثمانينيات الميلادية إبان عهد السيدة تاتشر لتصبح أكبر قصة نجاح يشهده الاقتصاد البريطاني في القرن العشرين. تقوم الفكرة ببساطة على أن هناك أصولا تملكها الدولة لكن المشكلة أن ليس لها أي قيمة حقيقية، ثم تقوم الدولة بتحويل هذه الأصول إلى قيمة حقيقية عبر تبني لمشاريع الخصخصة بحيث: تجني أرباحا من عملية الخصخصة (طرح عام أو طرح خاص) وتخفف العبء على الإنفاق الحكومي (من خلال تحويل الإنفاق على المشاريع بحد ذاتها بعيداً عن الموازنة الحكومية) وتحصل على قيمة حقيقية وعادلة لهذه الأصول (من خلال عملية تقييم الأصول في الأسواق المالية) وأخيراً تستطيع الحصول على سيولة نقدية جديدة من خلال الاقتراض بضمان المشاريع نفسها بعيداً عن ضمان الدولة (نتيجة لوجود تقييم للأصول)، وكل هذه المكاسب لم تكن لتتوفر لولا فكرة تحويل الأصول إلى قيمة حقيقية. وحتى نفهم هذه الفكرة بمثال عملي، فسنجد اليوم أن الأصول التي تملكها شركة أرامكو ليس لها أي قيمة حقيقية بسبب أنها أصول مملوكة للدولة بينما لو قامت الدولة مستقبلاً بخصخصة الشركة من خلال طرحها للاكتتاب العام فإن الانعكاسات المتوقعة لهذا الطرح ستتمثل بأرباح نقدية للدولة تقدر بنحو 100 مليار دولار نتيجة لبيع نسبة 5% من أسهم الشركة، وأن النسبة المتبقية من أسهم الشركة ستصبح ذات قيمة سوقية بنحو 1,9 تريليون دولار (على أساس تقديرات من مؤسسات مالية عالمية بأن القيمة العادلة للشركة ستصل إلى 2 تريليون دولار)، والأهم أنه لوجود تقييم فإنه أصبح بمقدور الشركة الآن الاقتراض من الأسواق العالمية لتوفير سيولة نقدية جديدة بضمان أصولها بقيمة لن تقل عن 1-2 تريليون دولار. وقياساً على ذلك، فإن صندوق الاستثمارات العامة سيكون هو الكاسب الأكبر من تحويل الأصول إلى قيمة حقيقية (أو المفتاح السحري الجديد) حيث بحكم أنه المالك والمسيطر على ملكية 95% من أسهم شركة أرامكو فإنه سيقوم باستثمار متحصلات الاكتتاب العام بقيمة 100 مليار دولار في الأسواق المالية لتحقيق عائد استثماري سنوي للدولة لن يقل عن 10 مليارات دولار سنوياً، فيما ستقفز أصول الصندوق دفعة واحدة بقيمة إضافية لن تقل عن 1,9 تريليون دولار (بسبب تقييم الأصول) وهذا كاف لتحقيق جزء كبير من القيمة المستهدفة للصندوق عام 2020م، وأخيراً ستتمكن شركة أرامكو من استخدام القروض الضخمة الجديدة لتمويل مشاريع توسعتها المستقبلية حتى تصبح شركة صناعية عالمية عملاقة.