غمست قدمي المتسخة في ماء راكد على أمل أن تتحرك عواطف قلبي المغلف بخيوط سوداء نسجتها حوله تلك الأرملة التي تقطن أرجلها البيضاء بجوار أرجلي لم تأنف روحي الخربة من روائح الخواء التي كانت تنطلق من مغارتها المتهالكة. رجعت إلى البيت مترنح الخطوات دلفت إلى غرفة أمي أبحث عن مصاغها فلم أجدهُ أخذت اتنقل من غرفة إلى أخرى مثل المجنون أبحث عن باقي عبق بخورها داخل الدار فلم أجد ألا أثر دماء ملتصقة في الجدار. بدأتُ أقود روحي بعد أن كانت تقودها تلك الشهوة التي أفقدتني صوابي, وأنا أرفع صوتي على صوت أمي الواهن تهاوت أمام صراخي لم يكن خوفاً ولكن رحمةً بقلبْ لم يرحم ضعفها ولم يقدر تضحيتها. جالت روحي داخل رماد ذلك البيت الذي شيدته أمي بكدها فقد كانت تخدم في البيوت في سبيل أن توفر لي لقمة طرية وهندام العيد الذي لم أكن أفرح به لأن إبن جيراننا كان بمجرد أن تسقط عينهُ علي حتى يذكرني أنني ألبس ملابسه التي تصدقت بها أمهُ على أمي. رجعت إلى البيت ووخز ضحكات أولاد الحارة تخترق قلبي الصغير, وقفت أمامك بنظرات جامدة وقلب لفه غبار الذل, أمسكتِ بيدي الصغيرة وقلتِ: لماذا خرجت من البيت قبل أن تسلم علي سلام العيد أم أنك نسيت أمك التي تحبك؟! تعلقت عيني بالصورة التي رسمت على الحائط بدمائك الطاهرة أفقت على صوت نباح كلب يدور حول بيتنا حتى أصبحت تابع له في خطواته التي حاولتِ بكل قوتكِ نهي عن تلك الأفعال القبيحة لكنني لم أمتثل لنصائحكِ بل لففت لساني داخل حلقي على تلك الحبة البيضاء التي سودت حياتي! دخلت بيت خالي بعيون متلصصة على جميع مداخل ومخارج بيته ثم وقعت عيني على الضحية وقبل أن نغادر بيتهم كانت تستقر في جيبي علم خالي بعد أن أخبرتهُ أبنتهُ بفعلتي, أتاك إلى البيت ثائر يريد حقهُ وحق أبنتهُ ولن يكون ذلك إلا بالزواج. هربت وتركتك وأنتِ في حالة استغفار طويل بعد أن دعوتي الله في ساعة غضب أن يحرقني بعذاب الدنيا رجعت في وقت متأخر وجدتك ساجدة فوق سجادتك قلت بصوت خرق ستر الليل أف ثم أف لقد مللت وسأمت روحي من الحياة, فرت دموعك من عينك وأنت تدعين الله لي بالهداية دلفت لحجرتي وصفقت الباب بما تبقى عندي من قوة. سمعت شهقاتك وصوتك الذي لم يكف عن الدعاء لي بالخير والصلاح إلا أن قلبي المغلف بالشر لم يسمع صوت أنفاسك وأنتِ تنطقين صوت الشهادة أفقت على صوت خالي وعويل نساء الحارة وهن حول أمي التي حرمت من أن ألمس قدمها الطاهرة زارني خالي في السجن بعد وفاة أمي بشهر كامل أخبرني أنها توفيت وأني رزقت بولد مات بعد ساعة من ولادته حيث إن كلبة سوداء تسللت إلى البيت فلم تجد لحماً طرياً سوى لحم الطفل أكلته ثم مرغت فمها في الجدار وفرت قبل طلوع الفجر. تساقطت دموعي وأنا ألوم خالي لماذا دفن أمي قبل خروجي؟ نظر إليّ بنظرات يشوبها العجب هل تريدني أن أجمد جسد أمك خمسة عشر عاماً؟ أم أنك نسيت أنك محكوم بالسجن المؤبد يا فيصل؟ سقطت على الأرض وأنا أرى طيف زوجتي يمر من حولي يلومني على سنوات الضياع التي كتبتها على جبينهم بحلكة الليل الذي فض النهار بكارتهُ بنوره الساطع. ذهبت إلى الإمام أقصص عليه حلم أرقني مساء البارحة قلت له: لقد حلمت أن كلبة سوداء تركض خلفي مع جرائها الأربعة ركضت حتى سقطت في بئر عميق ظنت أنها لن تلحقني ولكنها لحقت بي مع جرائها وبدأت تأكل أحشائي. طأطأ الإمام رأسهُ وأخذ يُمسد لحيته بيده قائلاً: استغفر الله العظيم خير يا ولدي خير ثم انصرف بعد أن علق قلبي في حيرة طفحت على جلدي أورام صغيرة يخرج منها صديد له رائحة نتنة تذكرت في تلك اللحظة دعوات أمي عليّ في لحظة غضب حينما قالت: رح الله يبتلك بعلة ما تبرى منها وما أن أفاقت من دائرة الغضب حتى جثت على سجادتها طالبة من الله العفو والمغفرة وأن لا يستجيب لدعوتها تلك التي قالتها في لحظة غضب. أُدخلت غرفة العملية سمعت الممرضة تقول أف ثم أف من أمراض السرطان التي تقضي على الشباب بسبب المخدرات وضعف القلوب يستعجلون كل شيء فيفقدون كل شيء! في تلك اللحظة مر طيف أمي أمامي وهي ملازمة لسجادتها طالبة من الله ألا يستجيب لدعوتها, التي قالتها في لحظة غضب تسببت أنا فيها, وزاد قلقي عندما كان الإمام يقول كلما رآني استغفر الله حسبنا الله ونعم الوكيل.