يخيل لي أن قضاء سبعة أعوام في كتابة رواية كفيل بأن يحفظ لها مائة عام في ذاكرة الأدب، لأن العمل الذي يسرق منا حياتنا ليصنع لنا وقتاً و زمناً آخر هو في واقعة حياة صنعناها لنعيشها حيوات تتشكل لتنقلنا من واقع لواقع نريده. لم تكن مارغريت ميتشل الكاتبة الأمريكية (1900-1949) التي امتهنت الصحافة بعضاً من سنوات عمرها وزاولت الكتابة وغادرت الحياة على أثر حادث مروري وهي في الثامنة والأربعين، تعي أن (ذهب مع الريح) التي بدأت كتابتها في عام 1930 وانتهت منها في عام 1937سوف تنسي الناس حتى اسمها لينادوها ب(سكارليت) التي جسدت ميتشل 12 عاماً من حياتها ومظاهر اعتلال شخصيتها، وحتى تكون مغادرة (ريت بتلر) زوج سكارليت الثالث لها أعظم مشهد إذلال في تاريخ السينما. (ذهب مع الريح) التي أجزم أن جيل السبعينات والثمانينات (العربي) الذي يمكن أن نسميه (دودة كتب) كما يطلق الغرب على محبي القراءة كانت من أول الروايات التي قرأوها لأن قرّاء ذلك الوقت كانوا يحفرون في المعرفة ويقتنصون فرص حضور الكتب ليعيشوا عالمهم خارج إطار واقعهم، وذلك يكفل لهم سفر في فضاءات جديدة وهم في زوايا مكاتبهم. (ذهب مع الريح) التي وصلت عدد صفحاتها ل 1037 وترجمت لثلاثين لغة وفازت بجائزة بوليتزر الأمريكية وترشحت لجائزة نوبل ، هي فعلاً كأسمها ذهبت وتطايرت هنا وهناك تجاوزت حدود أمريكا التي عاشت مأساة الحرب الأهلية كما وصفتها مارغريت لنعيشها معها ولنقرأ مشاعر الثأر للحب عند امرأة خسرت كل شيء من أجل حبها الأول. الرواية إجمالاً هي ذاكرة تاريخ تحتفظ بالأحداث تنقلنا إلى حيث تريد كما نريد. هي فن بديع يحتفظ بنسختك الأصلية كإنسان ويصنع منك شخوصاً قد تنكرها وتزدريها ولكنك في قرارة نفسك تعرف أنها تشبهك. الرواية عندما تكتبها المرأة تأكد أنك سوف تقرأ أوطاناً من عذاب لتستقر في وطن قلبها الصادق.