بعد أكثر من ثمانين عاماً من اعتماد اقتصادنا الوطني على موارد النفط, حيث تمثل الموارد النفطية أكثر من 90 % من موارد الموازنة العامة للدولة, وبعد أن تضمنت الخطط الخمسية التنموية منذ انطلاقتها قبل خمسين عاماً, الكثير من التأكيدات على توجه الدولة لتنويع مصادر الدخل, ولكن دون أن نرى شيئاً ملموساً على أرض الواقع, جاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ليزف البشرى للجميع معلناً التحول الاستراتيجي لاقتصادنا الوطني من خلال البدء الفعلي بتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد فقط على سلعة النفط, وذلك من خلال تأسيس صندوق سيادي ضخم بقيمة تريليوني دولار, وقد رسم سموه رؤيته لصندوق الاستثمارات العامة ، والذي سيتولى إدارة هذا الاستثمار, موضحاً سموه بأن بداية استثمار هذا الصندوق ستكون من خلال طرح 5 % من أسهم شركة ارامكو للاكتتاب العام بحلول عام 2017م، وأن كل إيرادات هذا الصندوق تصب في ميزانية الدولة. تلك الرؤية الاقتصادية الثاقبة لسمو الأمير محمد بن سلمان سوف تسهم في تحويل جزء كبير من إيرادات الدولة إلى الاستثمارات المنتجة المتنوعة في مختلف أسواق العالم, وهو ما يمثل رافداً مهماً للموازنة المالية في حال انخفضت أسعار النفط ، خاصة اذا ما نظرنا إلى العجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة خلال العام الحالي بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط, وما من شك ان كل ذلك يعكس العقلية الاقتصادية الفذة لسموه والمتحررة من الفكر البيروقراطي والذي طالما أجهض في الماضي الكثير من التوجهات التنموية للدولة. نعم إن توجه سمو الأمير محمد بن سلمان الواقعي بتنويع مصادر الدخل إنما يأتي من إدراكه بأن سلعة النفط ستتوقف يوماً ما, إما لوجود بديل للنفط أكثر كفاءة أو لنضوبه وانتهائه, لا قدر الله. سبق أن كتبت من خلال هذه الزاوية مقالاً بعنوان: (الأمل بمجلس الاقتصاد والتنمية: متى يصبح النفط منتجاً اعتيادياً وليس اعتمادياً.؟) أكدت فيه المخاطر الجمة التي تحيط بنا حيال مدى قدرتنا على توفير السيولة اللازمة للصرف على مشاريع التنمية والبنى التحتية في كافة مناطق المملكة, طالما أن بناء خططنا الاقتصادية قد تم بناء على أسعار للنفط أصبحت اليوم أشبه بالحلم, ويكفي أن نشير إلى أن سعر برميل النفط قد أنحدر حالياً بما نسبته 60 إلى 70 % عن قيمته العام الماضي. وتساءلت عما سيكون عليه حالنا الاقتصادي فيما لو واصلت أسعار النفط انحدارها, خاصة وأن المعطيات لا تدعو إلى التفاؤل لأننا نعيش حرب أسعار نفطية سنكون أول ضحاياها لاعتمادنا الاستراتيجي عليها. وقد طالبت في ذلك المقال بأن نأخذ العبرة من الآخرين في بناء اقتصاداتهم بعد أن كانوا يعتمدون على النفط كحالنا, وقد توجهت بندائي إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية ليقيني بأن سمو رئيسه الأمير محمد بن سلمان يفكر خارج الصندوق البيروقراطي, وليقيني بقدرة الأمير الشاب من خلال توجهه الاستثماري أن يجعل من صناعتنا الوطنية وصادراتنا للعالم الخارجي عوامل مؤثرة في ناتجنا المحلي وإيرادات ميزانياتنا العامة, نعم كلي ثقة في قدرة سمو رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من خلال توجيهه بإنشاء هذا الصندوق بأن يحقق معادلة التصدير النافع بدلاً من الاستيراد الضار لنصبح شركاء في دولة تتنوع فيها مصادر دخلها. كلي ثقة بفكر الأمير محمد بن سلمان وبقدرته على بناء جسور استثمارية تصب في بناء مصادر جديدة للطاقة بدلاً من الاعتماد الكلي على النفط لتحقيق ذلك, فسموه يدرك بأن كل من حولنا يتمنى الصحراء والشمس التي لدينا لكي يعتمد على الطاقة الشمسية كمصدر تنمية مستدامة وسموه يدرك بأنه يوجد لدينا شركات سعودية تقدم الطاقة الشمسية البديلة في دول كثيرة من العالم, ولكن لم تتح لها الفرصة لدينا لعدم إيماننا بهذا البديل. نعم كلي ثقة, بعد أن أعلن سموه تأسيس الصندوق الاستثماري الضخم, كلي ثقة بقدرة سموه على بناء قاعدة صناعية سعودية متينة وعلى تصدير تلك البدائل لتكون رافداً لناتجنا المحلي وإيرادات ميزانيتنا السنوية, لتمثل الاستثمار والملاذ الآمن للأجيال القادمه, بدلاً من الاعتماد الكلي على النفط. أخيراً, المستقبل لا يرحم المتخاذلين, أو غير المستعدين للازمات, ولكن في كل أزمة وتحد, هناك فرص ومخاطر ونواحي قوة وضعف, ومن يستطع قراءتها والاستعداد المبكر لها, فإنه دون شك سيحقق النجاح, ومن يدرس البدائل في اتخاذ القرار, ويضع الأولويات بأوزانها الدقيقة فإنه سيحقق الأفضل منها وسيبحر إلى بر الأمان وبكل أمانة, هذا ما يقوم به سمو الأمير محمد بن سلمان, فهنيئاً لنا بسموه وهنيئاً لنا برؤيته الاقتصادية الثاقبة والمتحررة من دهاليز البيروقراطية والتي لم تنفعنا على امتداد عقود زمنية مضت.