الجسر الذي يُقلنا للآخر هو الحوار، من خلاله نتواصل ونحب ونبغض، ونتفق ونختلف.. ومن باب الحرية واحترام الآخر ينبغي أن لا يتحول هذا الاختلاف إلى خلاف يقطع أواصر الود، والأخوة، والإنسانية وحتى الوطنية. فمن غير المعقول أن يتم الاتفاق والتفاهم في جو تسوده الاتهامات، بأداة الحروف المملؤ صدرها بالضغينة تجاه من خالفها نهجًا وفكرًا. للأسف بدا التفاهم الإنساني مفقودًا رغم كثرة مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم اتساع رقعة التعارف ما زال البعض يفضل أن يقبع في زاوية مظلمة منفردًا بالوحدة التي اختارها رفيقًا لدربه لينأى بنفسه عن وجع هذا الاختلاف المرفوض، لأنه يتربى في كنف العداوة والانتقاص من الآخر واللامبالاة بحقوق الغير وقيمة احترامه. جميل هو الاختلاف متى ما أسهم في حراك ثقافي اجتماعي مفيد، جميل هو الاختلاف متى ما عرَف الجميع قيمة التنوع وحقيقة سنته في هذه الحياة، وقبيح هو في عقول لا تعرف حق قدره، ولا تقف عند قدرها. إذا سلمنا أن مجتمعنا جديد على الانفتاح، وحديث عهد بالحوار وأصواله ونواقضه، فما عذر بعض النخب الذين يتنابزون بكل بذاءة وشتيمة - تطال الحي والميت - في سبيل تسليط الضوء على ثقافتهم وعلى أفكارهم التي تعد من وجهة نظرهم حقاً محضاً وعلى الناس تبنيها. دوي سقوط النخب من كل التيارات والاتجاهات في مواقع التواصل الاجتماعي في غالبه ما كان بسبب الأطروحات المقدمة والأفكار المُتبناه، إنما بالطريقة التي اعتمدها في الحوار مع الآخر المحتقر الناقص الوطنية والإنسانية في نظره! ما من عذر لهؤلاء الساعين بلا إدارك ووعي إلى هبوط مستوى التفاهم في شكل يدعو للاشمئزاز والنفور من سلوك كهذا، وأفكار كهذه، لأن نتيجة هذا السباق الشتائمي المحموم، ومحصلة هذا الفكر العقيم حتماً السقوط، فهذا العراك المستمر بلا هوادة على الهوية الوطنية والإسلامية من أبناء الوطن الواحد والدين الواحد فيه دلالة على فشل المتعاركين الذريع، فلا رؤية تحققت ولا فكر تطور ونما! دور النخب المثقفة لعب دورٍ رياديٍ في بناء المجتمع من خلال الرؤى التي يحملها المثقف والقيم الإنسانيّة التي يملكها، فهو المحارب الذي لا يملك أي نوع من الأسلحة عدا سلاح العلم والنور الذي ينبثق من رحم العلم ويخافه الجهل والجهلة. فمن غير المثقف قادر على تسليط الضوء على مشكلات مجتمعه كالفقر، والجهل، والفساد حتى يراها المسؤول؟!. أحياناً كثيرة لا يقف دور المثقف على تسليط الضوء على المشكلة بل قد يكون هو مفتاح الحل لها من خلال نضجه وخبرته المتراكمة وتخصصه وحسه اليقظ لكل ما يؤرق مجتمعه وينأى به عن مسار التنمية واستلاب الوعي. والمثقف لا يستطيع ممارسة هذا الدور المأمول إلاَّ بامتلاكه مع الفكر النير حرية غير مستعبدة، لا بأهوائه ولا بأهواء قيم ما أنزل الله بها من سلطان تقيّده بدلاً من أن تطلقه. إن السطور السابقة لا تعني أن على المثقف أن يكون البطل الهمام بقدر ما تعني أن عليه أن يكون على قدر الثقافة التي قضى عمره يتسلح بها، فمنحته - من المفترض - عمقًا معرفيًّا ومنهجيًّا مكّناه من مواجهة عواطف الجماهير، وعواصف الأزمات بحكمة. يقول محمد إقبال: - نادية السالمي