منذ سنوات عدة كان لأحد مُلاك الأراضي الزراعية مزرعة، تقع بجوار شاطئ البحر، وكان كثيرًا ما يعلن حاجته لليد العاملة، ولكن معظم الناس كانوا يترددون في قبول العمل في مزرعته لوقوعها بجوار الشاطئ؛ لأنهم كانوا يخشون العواصف التي كانت تعربد عبر البحر الهائج ذي الأمواج العالية، والتي تصب الدمار على المباني والمحاصيل. ولذلك عندما كان المالك يجري مقابلات لاختيار متقدمين للعمل كان يواجه في النهاية رفضهم التام للعمل. وأخيرًا اقترب رجل قصير نحيف ومتوسط العمر من المالك.. فقال له المالك: (هل أنت يد عاملة جيدة في مجال الزراعة)؟ فأجاب الرجل نحيف الجسم قائلاً: (نعم، فأنا الذي ينام عندما تعصف الرياح)! ومع أن مالك المزرعة تحير من هذه الإجابة إلا أنه قَبِل أن يعيِّنه بسبب شدة يأسه من وجود عمال آخرين يقبلون العمل في مزرعته. أخذ الرجل النحيف يعمل عملاً جيدًا في المزرعة، وكان طيلة الوقت مشغولاً، من وقت الفجر حتى غروب الشمس؛ وأحس المالك بالرضا من تفاني الرجل النحيف في عمله. وفي إحدى الليالي عصفت الرياح، بل زمجرت عاليًا من ناحية الشاطئ، فقفز المالك منزعجًا من الفراش، ثم أخذ بطارية، واندفع بسرعة إلى الحجرة التي ينام فيها الرجل النحيف الذي عينه للعمل عنده في المزرعة، ثم راح يهز الرجل النحيف وهو يصرخ بصوت عال: (استيقظ؛ فهناك عاصفة آتية. قم ثبِّت كل شيء واربطه قبل أن تطيره الرياح). استدار الرجل صغير الحجم مبتعدًا في فراشه، وقال في حزم: (لا يا سيدي؛ فقد سبق وقلت لك أنا الذي ينام عندما تعصف الرياح!). استشاط المالك غضبًا من ردة فعل الرجل، وخطر له أن يطلق عليه النار في التو واللحظة، لكنه بدلاً من أن يضيع الوقت خرج عاجلاً خارج المنزل؛ ليستعد لمجابهة العاصفة. ولدهشته اكتشف أن كل الحظائر مغطاة بمشمعات. والبقر في الحظيرة، والطيور في أعشاشها، والأبواب عليها أسياخ حديدية، وجميع النوافذ مُحكمة الإغلاق، وكل شيء مربوط جيدًا، ولا شيء يمكن أن يطير.. وحين ذاك فهم المالك ما الذي كان يعنيه الرجل العامل لديه عندما كان يقول (أنا الذي ينام عندما تعصف الرياح)، وعاد هو نفسه إلى فراشه لينام بينما الرياح تعصف. حينما تستعد جيدًا فليس هناك ما تخشاه. هل يمكنك يا أخي أن تنام بينما رياح الحياة تعصف من حولك؟ لقد تمكَّن ذلك الأجير أن ينام؛ لأنه كان قد أمَّن المزرعة جيدًا. ونحن يمكننا أن نؤمِّن حياتنا ضد عواصف الحياة.. بربط أنفسنا بقوة بكلمة الله جل شأنه. لا يمكن للبشر أن يكونوا كاملين حين تخفض دروعك، وتفتح أبوابك لعموم الناس، يجب عليك أن تتوقع الطعنات والخيانات، وكذلك مشاعر الحب والود والوفاء. حين تحب شخصًا ما يجب عليك توقع النقص وعدم الكمال منه، ويجب ألا تترك ذلك حين يقع، ويؤثر سلبًا فيك؛ فلكل منا عيوبه، والكامل هو الله - عز وجل -. لا تتوقع ولا تبحث عن الكمال في أي شيء على ظهر هذه البسيطة. لا تنتظر الكمال من الناس، ويجب عليك أن تركز على الجوانب الإيجابية في الناس، وأن تدرك أن لديهم كذلك جوانب سلبية، عليك التعايش معها وقبلوها، والأهم: عدم إنكارها.