الساعة 7.45 صباحا بتنا جميعا رفاق الرحلة في غرفة واحدة واسعة، الدكتور عيد اليحيى على سرير، وحمود الرشيدي على سرير آخر، وفضّل بقيتنا النوم على الأرض. حين دخلنا هذه الغرفة القديمة الواسعة قليلا فرشنا مفارش نومنا بسرعة التي أحضرناها من سياراتنا، وذهب كل واحد على حدة إلى دورة المياه السيئة وعاد وقد غسل يديه ووجهه جيدا من آثار الرمال والغبار الذي تعرضنا له. الكل كان قد التحف فراشه وراح في نوم عميق، انتظارا للصباح الذي سيطل جديدا ليقوم كل واحد بالاغتسال من ركام الغبار. الاستراحة على طريق أسفلتي من طرق مدينة تسمى « أم الصقور» وقد لجأنا إليها هاربين من قسوة الرياح الشديدة المحملة بالغبار والرمال التي تعرضنا لها قبالة جبل « طُميّة» هذا الجبل الأسطوري الذي حيكت حوله أسطورة موجزها: أن « طُميّة» عشقت جبلًا في وسط نجد بالقرب من القصيم هو :» قطن» فطارت إليه من الحجاز وحطت بالقرب منه، وفي طريقها إليه سقطت منها قلادة ذهبية مكانها اليوم :» مصنع الصخيرات للذهب». وقبل أن تحطّ (طمية) على الأرض ضربها جبل « عكّاش» بسهم فسقط منها جبلان صغيران، ثم حطت بالقرب من حبيبها الجبل. هكذا هي الأسطورة التي تروى عن « طميّة». ويبلغ ارتفاع جبل « طميّة» 1300 متر وهو عبارة عن قطعة جبلية مستطيلة تختلف أحجارها عن بقية الجبال الأخرى بالمنطقة. كنا قد وصلنا للمبيت أمامه الساعة 8 مساء، بعد أن قمنا بتصوير جبال « أبان» الأحمر، و» أبان» الأسمر الواردة في معلقة امرئ القيس وجبل « أُبان» الأحمر وصلنا إليه منتقلين من منطقة جبل « خزاز» أو « خزازى». يقع الجبل في منطقة تسمى « أُبانات» وهي عبارة عن واد شاسع به بعض القرى التي يعمل أهلها برعي الإبل والغنم، والمنطقة ممهدة بطرق إسفلتية ولافتات مرورية. قبل وصولنا إلى « أبان الأحمر» توقفنا في محطة للبنزين حيث اتصل د. عيد اليحيى بأحد معارفه من أبناء المنطقة ولقبه:» أبو سيف» من الرشايدة حيث يعمل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قام الشيخ باصطحابنا إلى داره، وكنت فقط أنا والدكتور عيد اليحيى والمصور طارق المطلق. أما عبدالعزيز الصقعبي وحمد الرشيدي والعامل الهندي فكانوا في مدينة « الرس» يقومون بإصلاح سيارتهما، كما قاموا بشراء بعض أكياس المكرونة والخبز وقوارير المياه الصغيرة وبعض الفواكه. ذهبنا نحن الثلاثة أنا والدكتور عيد اليحيى والمصور طارق المطلق مع الشيخ إلى داره، وجلسنا في خيمة واسعة جميلة أعدها بإتقان على مساحة 72 مترا تقريبا. في الجانب الأيسر منها توجد مدفأة توقد من الحطب، ويبدو أنه يستعملها شتاء بالطبع مع برودة الطقس. والخيمة مفروشة بموكيت سميك ومجهزة بالإضاءة الكهربائية، وبالمساند والتكايات. في منتصف الخيمة فرش من البلاستيك وضع عليها - كعادة أهل السعودية - دلة قهوة وأطباقا من التمر ووعاءً بلاستيكيًّا به قدر من الماء وعددا من الفناجين الصغيرة المغسولة. قدم لنا الشيخ القهوة والتمر، ثم نادى على العامل البنجلاديشي الأسمر الملتحي وكانت لحيته طويلة جدا بيضاء، وكان يرتدي قميصا وبنطلونا، ناداه لإحضار الشاي، وقام الشيخ بصب الشاي لنا، فيما استأذن د. عيد اليحيى للذهاب لدورة المياه المجهزة في باحة دارة الشيخ من أجل الاغتسال من غبار الطريق. بعد مرور 15 دقيقة ركبنا سيارة الشيخ الذي كان دليلنا لجبال « أبان الأحمر» حيث انطلقنا صوب الجبال ومررنا على بعض الطرق الإسفلتية. الجبال لونها أصفر مائل إلى الحمرة، وقد ذكرها امرؤ القيس في معلقته. دار بنا الشيخ حول جبال « أبان» لنراها من جميع زواياها وقمنا بالتقاط بعض الصور لها، ثم دخل بنا إلى واد جميل به بعض أشجار الطلح والسلم والنخيل، وقمنا بأخذ بعض الصور لهذا الوادي قبالة الجبل. استمرت الجولة ما يقرب من الساعة، ثم عاد بنا الشيخ إلى باحة دارته، وقمنا بركوب سيارتنا ذات الكرافان للتوجه إلى جبل:» أبان الأسمر» على بعد 20 كيلو متر من « أبان الأحمر». جبل: « أبان الأسمر» لونه أسمر فعلا، ليس أسود فاحما ولكنه يميل إلى الرمادي بحمرة خفيفة جدا، ارتفاعه أيضا أكثر من ألف متر، وصخوره ملساء في بعض أجزائها، تنبت أمامه أشجار النخيل والطلح والسلم، ونبات :» الرمث» الذي ينتشر بكثرة في منطقة القصيم. وتوجد بعض القرى التي تتسلل إليها المخططات العمرانية الجديدة والبنايات الإسمنتية، وهناك آثار لبيوت طينية قديمة كانت تشكل هذه القرى الطينية القديمة المتناثرة. وصلنا إلى « أبان الأسمر» الذي ذكره امرؤ القيس في معلقته وقت هطول المطر، وقمنا بتصويره وتصوير بعض جوانبه، وقد دخلنا في قلب الجبل، حيث يوجد طريق إسفلتي يصل إلى داخل واد ضيق بين هذا الجبل بمختلف تضاريسه وتفريعاته، دلنا عليه أحد سكان المنطقة، وكنا قد ترجلنا من السيارة لتصوير مرتفعاته. كانت أرضية الوادي مثل كل المناطق الجبلية في منطقة القصيم بل وكل المناطق التي زرناها بها بعض الأعشاب والشجيرات والنباتات لمختلفة، كما بها بعض الجحور الكبيرة والصغيرة التي تضم حيوانات وزواحف منها: الضبان والجرابيع والثعالب، والثعابين والأفاعي والعقارب، وفي الطريق شاهدنا أنا وطارق المطلق عددا منها، ومر بجوارنا مباشرة ثعبان يسير بسرعة طوله أكثر من متر ولونه أصفر مرقّط حمدنا الله أن مر بجوارنا سريعا، وأخذنا بعدها حذرنا أكثر وأكثر من الجحور الكثيفة المنتشرة أمام جبل « أبان». دلنا الرجل على واد وسط الجبال وله طريق مسفلت، وقال الرجل : إنه من مدينة « نبهانة». دخلنا إلى الوادي ذي الطقس البديع، وتحيط به جبال « أبان الأسمر» من جهات ثلاث، مليء بأشجار الطلح ونبات « الرمث»، وبعض النخيل الأخضر المتعثكل والنخيل الجاف، قمنا بتصوير المرتفعات وتصوير الوادي، وقمت بتصوير الوادي المتسع، وهو مكان بديع يصلح كمختلف الأماكن التي ذهبنا إليها للسياحة البرية الصحراوية، خاصة في فصلي: الشتاء والربيع. تأملنا كيف عبّر امرؤ القيس عن الجبل شتاء، وعن هطول المطر ووصفه للجبل بالشيخ الذي يرتدي عباءته المخططة كما يقول في معلقته: عبدالله السمطي