الدكتورة لزلي ترامونتيني باحثة مختصة في الأدب العربي؛ كتبت عدة كتب أكاديمية عن الثقافة العربية، ولها ترجمات الى اللغة الالمانية بجانب اهتمامها بالواقع الثقافي في العالم العربي، عملت في عدة جامعات في ألمانيا ومنها جامعة فرايبورغ وماربيرج ، وبجانب ذلك تعاونت في مشاريع بحثية مع مراكز وجامعات عربية. وتقديرا لنشاطها في نشر الثقافة العربية وأبحاثها الرصينة منحتها جامعة الدول العربية دكتوراه فخرية. * هل يمكن أن تحدثينا عن بداية اهتمامك بالثقافة العربية وكيف حدث ذلك ؟ لقد ولدت من أم وأب ألمان، وكان أبي يعمل مهندسا في باكستان، حيث ولدت هناك في مدينة راولبندي، وبعد عام من ولادتي غادرنا باكستان، وتنقلنا لليونان، وجنوب أفريقيا، حتى عدنا لألمانيا. وظلت شهادة ميلادي المكتوبة بالأوردو لغزًا لي، لطالما حاولت أن أفك هذا الخط الغريب، لذلك فكرت أن أتعلم لغة هذه الحروف المختلفة، لم يكن هناك -آنذاك- تخصص لغة أوردو في ألمانيا، فاخترت اللغة العربية. كما أن هذا التنقل في طفولتي بين دول وحضارات مختلفة، منحني انفتاحًا على الآخر، ورغبة في استكشاف المزيد. بدأت بدراسة اللغة العربية في الجامعة، كنت أعيش بلا هدف، لم أفكر في المستقبل، أو أي وظيفة سأجد بشهادتي ، لم أفكر إلا بمتعتي اللحظية مع هذا العالم الجديد، وأنا سعيدة الآن وفخورة باختياري الجميل. كانت اللغة العربية صعبة، لكن كان يناسبني أن أتعلمها، كان التحدي في تعلمها يمنحني رضا ذاتي وراحة، ووجدت شغفي بالأدب العربي الحديث، تحديدًا الشعر. * لاشك أن بدر شاكر السياب علامة فارقة في الشعر العربي الحديث فكيف وجدت قصيدته أنشودة المطر التي ترجمتيها إلى الألمانية ؟ وهل ترجمة الشعر تظل محافظة على روح القصيدة وعاطفيتها؟ يجب على الترجمة على الأقل أن تحافظ على روح القصيدة، لكن الوزن والقافية صعب الحفاظ عليها، الأهم أن تصل روح القصيدة العربية مثل ما أنا فهمتها. الترجمة دائمًا تأويل وفيها تحليل، لا يمكن أن نقول: إن ترجمة القصيدة نصية، هي ليست واحد زائد واحد يساوي اثنين، الكلمة داخل القصيدة ليس لها معنى مرادفًا واحدًا، لكنني أختار من بين المعاني الذي أراه يمثل روح القصيدة، ربما زميلي الألماني سيترجم القصيدة بشكل آخر، ليس تغييرًا جذريًا، لكن هناك أثر مختلف للمترجم. * لعلك تلقين الضوء باختصار على موضوع رسالتك للدكتوراه ؟ كان بحثي عن الأسطورة في شعر بدر شاكر السياب، فلقد بدأت دراسة اللغة العربية في ألمانيا، دراسة القواعد دون أن أستطيع أن أتكلم، لذلك قررت الذهاب لجامعة الكويت لمدة سنتين كطالبة، وهناك استطعت لأول مرة أن أمارس اللغة وأتكلم. أخذت عدة دروس في اللغة العربية، وكنت طالبة مستمعة بكلية الآداب في جامعة الكويت. اندمجت جيدا مع الطلاب الكويتيين، ومعهم قرأت لأول مرة قصيدة بدر شاكر السياب؛ أنشودة المطر. وهذه أول بداية لي مع الأدب العربي. لم أفهم كل الكلمات حينها، لكنها سحرتني، وأذهلتني، يقول ( ت. س. ايليوت ) أهم شيء العلاقة الداخلية بين النص والقارئ، وهذا ماحدث معي لأنني فهمت روح القصيدة، دون أن أفهم كل الكلمات. وأنشودة المطر كانت الباب الأول لقصائد عربية أخرى. كنت معجبة باستخدام السياب للأساطير البابلية، الفينيقية، والإغريقية. وكان الشعرالعربي الحديث مجهولا وغير معروف، لذلك حاولت أن أقدم بدر شاكر السياب للثقافة الألمانية، أو لنكون دقيقين، للأكاديميين الألمان المهتمين بالعالم العربي، كما كنت أود تعريف الأكاديميين والمهتمين بظروف كتابته لهذه القصائد، والخلفية السياسية والاجتماعية في العراق، وأثر الثورة العراقية؛ في خمسينات القرن الماضي؛ على شعر السياب. * هل تقدمين فكرة عن مركز الدراسات الشرق أوسطية الذي تنتمين له ؟ عن نشأته، نشاطه واهدافه ؟ ألمانيا دولة فيدرالية، الجامعات تابعة للولايات، ومركز مايربيرج كبير جدًا ونادر، تابع لولاية هيسين، المركز يجمع عدة أقسام منها: دراسات الشرق الأدنى القديم (السومري، البابلي، المسماري..الخ)، دراسات اللغات السامية (العربية، العبرية..الخ)، دراسات العلوم السياسية للشرق الأوسط، وكذلك العلوم الاقتصادية، والأدب العربي والدراسات الإيرانية والإسلامية. عدد طلابنا كبير بالنسبة للجامعات الأخرى لنفس القسم، وأهدافنا أن يتخرج الطلاب بكالوريوس، ماجستير ودكتوراه، وهم قادرون على تحدث اللغة العربية، وفهمها ثقافيا، كما لدينا مشاريع بحث ضخمة جدا، وتدعم وزارة الثقافة البحوث بشكل كبير. مثلا دفعت وزارة الثقافة 4 ملايين يورو لدراسة التحولات الحالية في الوطن العربي. * كان من ضمن اهتماماتك البحثية أثر الاستعمار في الشعر العربي؛ فكيف ذلك؟ وهل تعتقدين أن الأحداث التي عصفت ببعض الأقطار العربية خلال السنوات الخمس الماضية ستؤثر على مستقبل القصيدة العربية؟ الانجليز والفرنسيون سيطروا على العالم العربي، لكنهم أيضا نقلوا جزءا من حضارتهم، فمثلا بدر شاكر السياب كان من قرية صغيرة أبو خصيب، وعائلة فقيرة، ومع ذلك كان يذهب لبغداد خلال الاستعمار البريطاني، وأصبح معلم لغة انجليزية. ورغم نضاله الوطني لتحرير العراق من الاستعمار البريطاني، فإننا لا يمكن أن نلغي أثر الثقافة البريطانية أو الأوربية على شعره، الاستعمار ولد حالة من الاندماج بين الثقافة العربية مع الانجليزية/ الأوربية. إن تأثير العهد الاستعماري على الأوطان العربية، ليس محصورًا على الحكومات، بل تمتد للأديب والشاعر، الذي هو نتاج هذه البيئة. وإن مايحصل الآن في الدول العربية، هو نتيجة متأخرة من الاستعمار، فكل من صدام حسين، القذافي والأسد، وجودهم امتداد للاستعمار، كما أن وجود إسرائيل في قلب العالم العربي، يعطي الحجة لهذه الأنظمة بالادعاء بأنها تدافع عن الوطن العربي ضد إسرائيل، ولذلك تؤخر وتماطل في التطوير الداخلي. هذا الوجود لأنظمة مستبدة ومتخاذلة، ولد شعبا يتعلق بالماضي، وحروب الماضي. الشعب العربي وقع ضحية الإرث القديم، نتائج الاستعمار، والحكومات المستبدة. وبالتأكيد سيتأثر الأدب العربي بكل مايحصل في السياسة والمجتمع، فذلك ينعكس على الكاتب والشاعر، فهو ليس داخل قارورة هواء فارغة، فهذا الاضطراب الشديد تحول لأزمات ستترك أثرها على الأدب العربي. مثلا، ظهر في هذه المرحلة، الشاعرة السورية أحلام النصر، شاعرة داعش، وكيف تكتب القصائد الرثائية لمن تراهم شهداء، وقصائد مدح لمن تراهم أبطالا. لكن ماذا عن الجانب الآخر من الضحايا؟ يجب أن ننتظر، ماذا سيصدر من أدب وشعر بعد هذه المرحلة المأساوية؟ * هل تلاحظين تناميا لاهتمام بعض الأوساط الأكاديمية الألمانية بالثقافة العربية؟ وما دوافعه وهل يتركز على الثقافة الكلاسيكية التراثية أم على الأدب الحديث ؟ في الثمانينيات كان عدد الطلاب قليلا، كنا ثلاثة فقط، أنا الوحيدة التي تخرجت، فكانت الثقافة العربية مهملة في الجامعات الألمانية. منذ 11 سبتمبر 2001 بدأ الاهتمام، ماهو هذا الإسلام؟ وكل الاهتمام كان عن الدين الإسلامي، وليس عن الأدب أو الثقافة العربية للأسف. حتى وسائل الإعلام الغربية تركز على الإسلام، دون أن تلتفت للأدب والشعر العربي. مع بداية الربيع العربي، زاد عدد الطلاب أيضا، لكن آخر سنتين، حينما أخذ «الربيع العربي» منحى آخر؛ بالغ الخطورة وغير متوقع؛ فأصبحنا نسمع عن داعش وتفاقم مشاكل في المنطقة كنا نظنها أقل خطورة، مثل الخلافات الطائفية والعرقية التي تحولت لصراعات دامية: حروب الفرز الطائفية وقضية الأكراد. عندئذ بدأ يقل عدد الطلاب، وأعتقد هذا الانصراف خوفا من نتائج هذه الأحداث العنفية. ولست بحاجة للتأكيد أن هذا القول مجرد محاولة مني لقراءة وتأويل مشاهدتي . في جامعتنا ... نركز على الحاضر ، ولكننا أيضا نحاول أن يكون الطالب ملما بكل مراحل التاريخ العربي. هذا يطّبق ايضا على الأدب العربي الذي نركز على الأدب الحديث مع الاطّلاع على التراث العربي كالمعلقات، وكليلة ودمنة. في جامعة منسترهناك تركيز على الأدب العربي القديم. * ما هو وجه الاختلاف بين الدراسات المعاصرة في المانيا حول الادب العربي حاليا وبين الاستشراق الالماني في القرن التاسع عشر؟ في القرن التاسع عشر، كان أكثر المستشرقين ألمانا، لكنهم يهتمون بالنص فقط، يترجمونه ترجمة لغوية، دون رؤية لأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية. في حين أن القرن العشرين والواحد والعشرين كانت العلوم الاستشراقية تأخذ الجانب الاجتماعي للنص، وكذلك تربط بين الأدب العربي ووضعه السياسي. الأدب العربي حتى في الثمانينيات، كان مثل اللغة اللاتينية، لغة ميتة، مهمل تماما، نتعامل فقط مع النصوص و دون تواصل مع الثقافة. لكن الآن، ندرس في الجامعة، كيف يتكلم الطلاب اللغة العربية، كيف يتواصلون مع العربي، وأن عليهم أن يفهموا النص دون إغفال التأثير التاريخي، والسياسي والاجتماعي. وهذا أهم من اتقان قواعد اللغة العربية. لذلك أصبحنا في الجامعة نتعامل معها كلغة حية، كلغة تواصل وليس مجرد ترجمة نص. المركز في ماربورغ يركز على الحاضر، والحداثة، والتاريخ الحديث. لكن الحاضر لا يفهم دون امتداد للماضي، وفهم حالة التطور التي تطال المجتمعات. * لاحظت في موقعك على الشبكة بعض مقالاتك المنشورة منذ عشر سنوات عن العلاقات بين الشرق والغرب؛ كالغرب غرب والشرق شرق أو من الحوار إلى الالتقاء؛ فما هي رؤيتك الحالية لعلاقة الشرق بالغرب في ظل تواصل العالم عبر الانترنت وفي ظل حالة انتقال جموع بشرية متدفقة نحو اوربا من مناطق النزاعات.. ؟ أعتبر نفسي واسطة بين الثقافة ا لأوربية، والثقافة العربية، فلقد عشت 17 عامًا في الشرق الأوسط، لذلك أشعر بنفسي وسيطة بين الثقافتين. حاليًا، دورنا في ألمانيا، كألمان أكاديميين وكباحثين، أن نساعد الجمهور الألماني أن يفهم العالم العربي. في الجامعة واجبنا أن نُدرّس، هذا عملنا الرسمي، لكن كوننا خبراء في الثقافة العربية، فلقد عملنا مشروعا تطوعيًا لمساعدة اللاجئين في فهم النظام والقانون في ألمانيا، وأن نوفر لهم بالتعاون مع مراكز أخرى عملاً جزئيًا مع دراسة اللغة الألمانية (عمل/دراسة) بشكل مزدوج. إننا نعد، ونشرح لهم محاضرات توضح النظام الألماني، مثلا عن طريقة التدريس، التأمين، المهنة،...الخ. أعتقد أنه يمكن للشرق والغرب أن يلتقيا، سواء هنا في الغرب، أو هناك في الشرق، إذا رضي كل طرف بالأثر الذي يتركه الآخر، دون حساسية، ويتشكلان بشكل جديد، لكن على كل الأطراف أن تفتح نفسها للآخر، وتتماهي معه، لكن هذا الاندماج يحتاج وقتًا طويلا، إنها عملية بطيئة، وربما تحتاج عدة أجيال، وأنا مؤمنة أن الألمان قادرون على استيعاب اللاجئين، التاريخ الألماني مر بعدة مراحل من الاندماج، مثلا أمي ألمانية من تشيكوسلوفاكيا، من أصول ألمانية لعائلة انتقلت هناك لأكثر من 500 عام، وبعد الحرب العالمية طرد 12 مليون شخص من ذوي الأصول الألمانية من شرق أوروبا، واستطاعوا الاندماج مرة أخرى، بعد كل هذه المرحلة الزمنية، والتجربة الثانية كانت اتحاد ألمانياالشرقية، مع ألمانيا الغربية، واستطعنا أن نحل هذه المشكلة، كما اندمج معنا أربعة ملايين روسي، وتمت إذابتهم داخل المجتمع الألماني رغم التاريخ الطويل من الصراع بين البلدين. إن مليون لاجئ لن يؤثروا كثيرا، على بلد غني كألمانيا، كما أننا من أقل الدول بطالة، أنا سعيدة بسياسة الترحيب باللاجئين. كما أنني ضد أن يُطلب من اللاجئ، أن يقدم تنازلات دينية وتراثية، بل عليه أن يحافظ على ثقافته، ولكن ينفتح على الآخر، وعملية الانفتاح مسئولية الطرفين، فحتى الألماني عليه أن يبذل جهدا. للأسف الإعلام لم يكن منصفًا مع اللاجئين، ويستغل هذه الحالة ضد سياسة ميركل، وضد الرأي العام، ومنها استغلالهم لحادثة التحرشات التي حدثت في كولن، وتم اتهام اللاجئين فيها. وهذا غير صحيح، فالمثقف والأكاديمي يعرف أن نسبة اللاجئين كانت جدًا قليلة، وأرجو من الحكومة الألمانية ألا تكرر خطأ فرنسا التي عزلت اللاجئين منذ الداية، ولم تعطهم نفس الفرصة حتى للجيل الثالث. المهم الآن ان تمنحهم فرصة عمل ودراسة جيدة. أتمنى أن يحدث استقرار في سوريا خلال سنتين، حينها متأكدة سيعود الكثير من اللاجئين لوطنهم، على الرغم من أن ألمانيا جميلة وغنية، لكن هم يريدون بيوتهم، لكن لو تأخر الاستقرار .. وبدأوا بالانسجام، الذي أظن أنهم قادرون عليه، فلن يرغبوا العودة بعد سنوات. * لقد عشت فترات متقطعة في بعض البلاد العربية؛ كالكويت وأبوظبي والجبيل في المملكة؛ مما قد يكون أتاح لك فرصة الاطلاع عن قرب على النشاط الثقافي والأدبي في الخليج؛ فهل تحدثينا عن انطباعاتك؟ وهل لديك مشاريع لترجمة بعض الانتاج من هذه المنطقة؟ كانت دول الخليج للمثقف الألماني خريطة بيضاء، وذلك بسبب أنها كانت مستعمرة من الإنجليز، لذلك البريطانيون مهتمون بهذه المنطقة اكثر من الألمان. بالنسبة للادب العربي فتقليديا المستشرقون الألمان كانوا يركزون على النصوص من المغرب والمشرق لكن دون الخليج، فنعرف أدباءهم لكن لا نعرف أدباء دول الخليج. الأدب في الخليج غير معروف، وغير مدروس إلا في السنوات الأخيرة. منذ بضع سنوات زاد الاهتمام الألماني بالأدب في الخليج، وبدأت تصدر ترجمات. الخليجيون يستطيعون تمويل مشاريعهم الثقافية، وعلى مؤسساتهم الثقافية أن تبذل المزيد في ترجمة أدبهم، وذلك عائد للرخاء المادي. لقد تعاونت مع مجلة (لسان)، وكنت مسئولة عن قسم الشعر، ومولت مشروع (كلمة) من الإمارات اصدار بعض الأعداد. وترجمنا الكثير للإماراتيين ، شعرًا وقصصا. الأدب في الخليج لا زال في بدايته، وهذا مهم، فعلينا أن نقتفي أثره الاجتماعي، فالرواية تحديدًا، تعكس المجتمع، والنظام، والحياة اليومية. وهذا يلعب دورًا في التعريف بالآخر، ولا يقل أهمية عن البحوث الاجتماعية عن بلد ما. الأدب انعكاس صادق عن الكاتب والمجتمع. للأسف، حاليًا، ليس عندي مشروع ترجمة، فلدي مشاريع تركز على البحوث التحليلية، كتحليل شعر مظفر النواب. يجب أن أقرأ النص قبل الموافقة على ترجمته، إذا لم يؤثر بي كقارئة أرفض ترجمته. فلا بد من علاقة داخلية بيني وبين النص. لقد عشت 17 عامًا في المنطقة، متنقلة بين بغدادوالكويت والجبيل وأبو ظبي وإيران وبيروت، كنت أكتشف الخليج بنفسي، فكما قلت كانت خريطة بيضاء للمثقف الألماني. واللهجة الخليجية أقرب لي من أي لهجة عربية أخرى. فرغم صعوبة الشعر النبطي إلا أنني ترجمت للشيخ محمد آل مكتوم. أجمل مرحلة لي كانت في الكويت، الكويت هي التي بدأت فيها أتحدث اللغة العربية، كان عمري حينها 21 عاما، استطعت أن أندمج مع طلابها وطالباتها، وكان ذلك في الثمانينات، كنا نستمتع في الجامعة بالمسرحيات الطلابية، ومهرجان السينما الكويتي عام 1988 كان مدهشًا. الطريف، حين عودتي لألمانيا بعد كل هذه السنوات في الخليج، وجدت صعوبة في التأقلم، أنا الألمانية الأب والأم، فلقد افتقدت الحفاوة العربية، سهولة التعرف على الآخرين، الابتسامات العابرة. إن ثمن الخصوصية والفردانية في الغرب، هو جفاء الحياة. ومن الأمور الطريفة أيضًا، أنني كنت مرتاحة لكون ابنتي عاشت مراهقتها في بيروت، فلم أعان كيرا في محاولة ضبطها، وهذا غريب بالنسبة لي أن أجد الضبط الاجتماعي في مجتمعاتكم مريحا أحيانا. - كاتبة مبتعثة في ألمانيا