الموت حق والإنسان فانٍ وإن طال به العمر، ولكن للموت وحشته وللفراق ألمه. منذ طفولتي وأنا أعرف هذا الشيخ الجليل ذا الطلعة البهية وابتسامة الوقار التي لا أعتقد أنها تفارقه وظلت تلازمه إلى آخر مرة رأيته فيها قبل حوالي سنة من الزمن. عرفته مبكراً من خلال زياراته المتكررة مع بقية مشايخ عبيدة الكبار سعد بن حسين بن فردان وابن جلالة، وينضم إلى هؤلاء شيخ شمل بني بشر سعد بن ثقفان - رحمه الله - وشيخ شمل الحاف ووقشه محمد بن ناصر بن عامر، وشيخ شمل جارمة وخطاب الشيخ حسين بن علي بن هيف.. لمنزل خالي الشيخ حسين بن صمان - رحمهم الله جميعاً - حينما يكون لاجتماع هؤلاء المشايخ ضرورة، وغالبها في ما يتعلق بمشاركاتهم بالرأي والمشورة مع أمراء منطقة عسير ممثلي الملك في المنطقة في أي أمر له علاقة بالمصلحة الوطنية. هذا التجمع القيادي لجمرة قبائل العرب قبيلة قحطان كان يتم في منزل خالي الشيخ الجليل الذي كان يحظى باحترام وتقدير كل هؤلاء المشايخ، مع أنه لم يكن أكبرهم سناً ولكنهم جميعاً كانوا يرون في حنكته ومهارته ورزانة عقله ما يجعل تجمعهم لديه يخرجون بأحسن ما يجمع عليه رأي هؤلاء القادة. اخترم الموت كل هؤلاء الرجال الذين أسهموا بكل ما يملكون في خدمة وطنهم والحفاظ على وحدته واستتباب الأمن والاستقرار فيه. بموت الشيخ هيف بن سليم ينتهي جيل أولئك الكبار الذين عرفتهم منذ طفولتي وحتى يفاعة شبابي، وكنت أحس بسعادة غامرة حينما أرى تجمعهم أرى فيهم المهابة وشموخ القيادة. قابلت العديد من هؤلاء الكبار حينما كنت أجمع المادة التاريخية لرسالتي الماجستير والدكتوراه قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ولكن الشيخ هيف بن سليم الذي يُعد آخر الكبار من زعماء هذه القبيلة كنت أحرص على مقابلته في المناسبات العامة والذهاب إلى بيته للسلام عليه وسؤاله عن بعض ما كنت أبحث عنه من معلومة، قد لا أجدها عند غيره. قبل عدة سنوات زار الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى منطقة عسير، وبعد أن انتهينا من عشاء أعده له الشيخ عبد العزيز بن مشيط، وقد تجاوزت الساعة العاشرة مساء قال الشيخ ابن جبير: «أريد أن أزور الشيخ هيف حيث موعد سفري في اليوم الثاني والشيخ هيف زيارته واجبة» والشيخ ابن جبير - رحمه الله - يعرف الأصول، ويقدر الرجال ويسأل عن هؤلاء المشايخ الذين أتيت على أسمائهم واحداً واحداً، وكانوا عوناً له في حل الكثير من المشاكل التي كانت تنجم بسبب الخلافاتلى أراضٍ وما شابه ذلك، وكان ابن جبير يكلف بمهام حل هذه القضايا وبعضها يعود إلى عهد الملك سعود والملك فيصل - يرحمهما الله -، وكان - يرحمه الله - خير حلال للمشاكل، ولكن كان يقول ما كان لهذه المسائل أن تحل دون تعاون هؤلاء الرجال الذين أفتقدهم جميعاً لأن الموت غيّبهم ولم يبق من ذلك العقد الجميل، إلا الشيخ هيف الذي غادر هذه الدنيا الفانية بعد 117 سنة منها أكثر من سبعين سنة، وهو شيخ شمل قبيلته قبيلة آل الصقر.. واطمأن حين سلم الأمر لابنه النابه الشيخ محمد بن هيف، وهو يمثّل طليعة الشيوخ الشباب وهو من خريجي مدرسة أرامكو مثقف وإداري ووارث الحكمة القيادية من والده، عرفته منذ سنوات مكوثي في المنطقة الشرقية في منتصف الستينيات، عرفته شاباً نابهاً يحظى باحترام وتقدير كل أبناء منطقته. أزف إليه وإلى أسرة آل سليم وإلى كل محبي الشيخ هيف أحر التعازي وصادق دعائي للشيخ هيف بالرحمة والمغفرة، أسأل الله أن يجمعه مع أحبته من رفاق دربه من مشايخ الهيبة والشموخ في جنات النعيم.