سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير صندوق النقد تجاهل فرضية توجه المملكة لتصنيع النفط الخام وتصديره كقيمة مضافة مستفيدة من تراجع الأسعار العالمية.. وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية ب«الجزيرة»:
إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية ب«الجزيرة»: خلص تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، إلى أن تراجع أسعار النفط بأكثر من 40% منذ منتصف عام 2014، وبدء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال الشهور القادمة في رفع أسعار الفائدة الأساسية، من المتوقع أن يكون له تداعيات هامة على الاقتصاد السعودي. ويوضح التقرير، أن تراجع أسعار النفط أشد أهمية وتأثيراً من ارتفاع سعر الفائدة للفيدرالي الأمريكي، فيما تشير إحدى النتائج الهامة إلى أنه، من المرجح أن يكون لانخفاض أسعار النفط لفترة مؤقتة أثرٌ محدود على الاقتصاد والبنوك بالنظر إلى الاحتياطيات الوقائية المالية المتراكمة. في المقابل، فإن تراجع أسعار النفط لفترة أطول من شأنه أن يُحدث تأثيراً أكبر. ولكن، لابد أن نعترف أن مثل هذه التقارير يكون لها تأثيرات نفسية واسعة على المستثمرين أو المتاجرين مع المملكة، وتحتاج دائما إلى قراءة متأنية لفحص وتقصي حقيقة الركائز التي تقوم عليها هذه التقارير، وهل هي تستند إلى حقائق وتحليلات لأدلة واقعية أم تعتمد على افتراضات أو تقديرات شخصية؟ وأهم الملاحظات، هو استمرار وسريان ذات الافتراضات التي تقوم عليها تحليلات صندوق النقد الدولي منذ الستينات والسبعينات للاقتصادات الخليجية ككل. فالفرضية الرئيسية المعتمدة هي الدخل الدائم، ثم فرضية عدم التنويع الاقتصادي أو أحادية الاقتصاد الوطني، فضلا عن فرضيات أخرى تستبعد جوانب وركائز اقتصادية رئيسية في الاقتصاد السعودي، مثل مصادر الدخول الأخرى كالسياحة الدينية والصناعات التعدينية وغيرها. الأمر الأكثر أهمية، هو اعتماد كافة تحليلات صندوق النقد الدولي على أن الاقتصاد السعودي لا يمكنه الاستمرار بدون نفقات حكومية موسعة، وأن هناك احتياج كبير للانفاق على البنية التحتية، وأن هذا الانفاق هو المحرك الرئيسي للاقتصاد الوطني. وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية ب»الجزيرة» تسعى من خلال هذا التحليل لمناقشة ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي، فضلا عن تقييم مدى صدق أو استمرار صدقية هذه الافتراضات التي تعتمد عليها تحليلات الصندوق، إننا نسعى للإجابة على تساؤل هام: هل الاقتصاد السعودي في 2015م هو نفس ذلك الاقتصاد في 1980 أو 1990م ؟ أو بمعنى آخر، ألم تحدث تغييرات هامة في بنية وهيكلية الاقتصاد السعودي خلال الفترة (1980-2015م)؟ هل مستوى ودرجة النمو الاقتصادي كما هي؟ هل حجم الاقتصاد السعودي لم يتغير طيلة هذه الفترة ؟ ومن ثم هل لا تزال فرضيات 1980م تسري على الاقتصاد السعودي الآن وبعد مرور 35 عاما؟ تأثير التراجع في أسعار النفط يشير التقرير، إلى وجود تأثير موجب وقوي لأسعار النفط على الاقتصاد الوطني من خلال الإنفاق الحكومي, حيث من المتوقع أن تنتقل صدمات أسعار النفط أساسا من خلال النفقات الحكومية .. كما توجد دلائل على وجود آثار سلبية لتراجع أسعار النفط على أسواق الأسهم. وتستشهد الدراسة، بتقصي تأثير تراجع أسعار النفط على الاقتصاد الكلي من خلال دراسة ثلاث فترات لأزمات مالية (1982-1986 و1998-1999، و2008-2009م) شهدت تراجعا لأسعار النفط، واتضح أنه خلال الفترات الثلاث كان سلوك المتغيرات الاقتصادية الكلية متماثلا. فمع تراجع الإيرادات النفطية، يتباطأ نمو النقد والائتمان، وتنخفض عوائد التصدير والإيرادات الحكومية، وعلى الرغم من تراجع الواردات والإنفاق الحكومي، من المتوقع أن تسجل أرصدة المالية العامة والحساب الخارجي عجزا، وتراجع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، نتيجة للانخفاض الكبير في إجمالي الناتج المحلي النفطي الحقيقي. الإجراءات الوقائية وتخفيف حدة التأثيرات السلبية خلال المدى القصير خلال الفترات الثلاث، اتضح وجود قنوات مشتركة لتأثير تراجع أسعار النفط على الاقتصاد الكلي، حيث اتضح أن الحكومة تمكنت من تخفيف تأثير هبوط أسعار النفط على النشاط غير النفطي بالاعتماد على الاحتياطيات الوقائية ، للحفاظ على مستويات الإنفاق في 2008م. ويؤكد التقرير، أن الاعتماد على تلك الاحتياطيات الوقائية قد لا يكون متاحا أو ممكنا عند استمرار التراجع في أسعار النفط لفترات طويلة. وحيث إن الوضع الراهن أشبه بما كان عليه الاقتصاد في عام 2008م، وبما أن الحكومة تمتلك مركزا ماليا قويا، وحيث إن تراجعات أسعار النفط لا يمكن تأكيد استمرارها لفترات طويلة، فإنه يوجد احتمال قوي بأن تتمكن الحكومة من تجاوز تأثيرات أسعار النفط في موازنة العام 2016م بسهولة. لذلك، فإن تراجع أسعار النفط على المدى القصير لا يمتلك تأثيرات مخيفة أو مقلقة على الاقتصاد السعودي، ولكن هذه المخاوف تزداد حدتها عند استمرار التراجع لفترات أطول. تأثير الارتفاع في أسعار الفائدة للفيدرالي الأمريكي تعتمد المملكة على سياسة ربط الريال بالدولار الأمريكي بما يعادل 3.75 ريالا للدولار منذ عام 1986م. ونظرا لتطبيق نظام سعر الصرف الثابت والانفتاح النسبي للحساب الرأسمالي، تحرك مؤسسة النقد العربي السعودي أسعار الفائدة الأساسية بحيث تكون قريبة من سعر الفائدة على أموال الاحتياطي الفيدرالي لمنع الضغوط على أي من جانبي ربط الريال. ونتيجة للزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية خلال السنوات القادمة، سترفع مؤسسة النقد العربي السعودي أيضاً سعر الفائدة الأساسي، وهو ما سيؤثر على أسعار الفائدة الأخرى، رغم أن ارتفاع مستويات السيولة حالياً في الجهاز المصرفي يمكن أن يبطئ معدل انتقال الآثار. تقييم قدرة البنوك السعودية على الصمود أمام تراجع الأوضاع الاقتصادية تتمتع البنوك في المملكة بمستوى جيد من الربحية والسيولة والرسملة .. ومع ذلك يرجح أن يكون للتراجع الحاد الأخير في أسعار النفط تأثيرٌ على الجهاز المصرفي، لاسيما في حالة استمراره .. وتشير تحليلات التقرير إلى ما يلي : 1.تتمتع البنوك بوضع جيد يتيح لها تجاوز تأثير الزيادة في القروض المتعثرة، وانخفاض الربحية، وتراجع التدفقات الداخلة من الودائع الذي يمكن أن يصاحب فترة ممتدة من تراجع أسعار النفط وانخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفط. 2.عدم خضوع رأس المال والسيولة في البنوك لضغوط كبيرة إلا في حالة تباطؤ الاقتصاد بصورة حادة للغاية، واستمرار الهبوط الشديد في أسعار النفط، وحدوث عمليات سحب كبيرة للودائع. تأثير التراجع في أسعار النفط على القروض المتعثرة بالمملكة تشير البيانات التاريخية إلى أن القروض المتعثرة قد تأثرت في الماضي بأسعار النفط والإنفاق الحكومي والنمو بالقطاع غير النفطي. ومن المتوقع، أن يؤدي استمرار انخفاض أسعار النفط بمرور الوقت إلى تشديد سياسة المالية العامة وانخفاض معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي للقطاع الخاص وتقديم الائتمان الحقيقي. ومع تباطؤ النشاط الاقتصادي، تتراجع أسعار الأسهم مما قد يتسبب في تأثيرات سلبية على الثروة ونتيجة لذلك، تسوء الجدارة الائتمانية للمقترضين وتشتد أوضاع السيولة، مما يؤدي إلى زيادة القروض المتعثرة في البنوك. ومن شأن ارتفاع أسعار الفائدة مع بدء تشديد السياسة النقدية في الولاياتالمتحدة أن يرفع تكاليف الاقتراض ويمكن أن يضع ضغوطا إضافية على جودة الأصول. سياسات السلامة الاحترازية الكلية المعاكسة للاتجاهات الدورية في المملكة تحرك أسعار النفط النفقات الحكومية في المملكة، والتي تنتقل آثارها بدورها إلى الائتمان واجمالي الناتج المحلي غير النفطي، ومع تراجع أسعار النفط بصورة حادة في الأشهر الأخيرة وميل النمو الاقتصادي للارتداد، ربما أصبحت البيئة التي يعمل فيها القطاع المالي أكثر صعوبة.. وقد نفذت المملكة خلال العام الأخير العديد من الخيارات من سياسات السلامة الاحترازية الكلية، بما في ذلك سياسات نُفِّذَت بطريقة معاكسة للاتجاهات الدورية (بحيث تضمن قيادة التوسع في راس المال والسيولة في الجهاز المصرفي).. ومن الواضح أنه لا توجد أي مخاوف من قدرة المملكة على تمويل وتعبئة هذه السياسات الوقائية على المدى القصير، إلا أنه على المدى المتوسط توجد حاجة ماسة لإجراءات إصلاحات هيكلية تساند هذه السياسات الوقائية وتضمن عدم استمرارية الحاجة لها. إصلاح أسعار الطاقة في المملكة يؤكد تقرير صندوق النقد الدولي، أن أسعار الطاقة في المملكة منخفضة حسب المعايير العالمية.. وذلك سبب رئيسي وراء النمو القوي في استهلاك الطاقة بالمملكة.. ويؤدي انخفاض أسعار الطاقة إلى تحقيق منافع غير متوازنة للفئات الأعلى دخلا والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة.. وتشير نتائج التقرير إلى أنه توجد هناك حاجة إلى خطة إصلاح شاملة لأسعار الطاقة، تتطلب تدريجيا إلغاء أسعار الطاقة المنخفضة ووضع تدابير تخفيف لحماية الفئات الضعيفة من السكان ومساعدة الصناعة على التكيف مع بيئة ارتفاع تكاليف الطاقة.. ومن شأن رفع أسعار الطاقة المساعدة في الحفاظ على الاستثمارات والنفقات الاجتماعية ذات الأولوية أثناء عملية ضبط أوضاع المالية في الأجل المتوسط.. يشير التقرير إلى أن الغاء تحفيز الطاقة يمكن أن يعتبر طريقا رئيسيا لإصلاح السياسات المالية بالمملكة. تحليلات صندوق النقد تتجاهل التغيرات الهيكلية والهامة بالاقتصاد السعودي المتفحص لتحليلات صندوق النقد الدولي في 2015م يلاحظ اتساقها تماما مع تحليلاته في الثمانينات والتسعينات عن الاقتصاد السعودي، رغم ضخامة حجم المستجدات والتغييرات التي طرأت على الاقتصاد السعودي طيلة هذه الفترة.. فخلال فترة ال 35 عاما الأخيرة حدثت تطورات ديناميكية كبيرة وهائلة على الاقتصاد السعودي، أهمها كما يلي: أولا: ارتفاع حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 547 مليار ريال في عام 1980م إلى حوالي 2798 مليار ريال في عام 2014م، وهيهات بين هذا وذاك. ثانيا: القطاع غير النفطي كان يساهم بالأسعار الثابتة في عام 1980 بنحو 267 مليار ريال، في المقابل وصلت هذه المساهمة إلى حوالي 1003 مليار ريال في عام 2014م. ثالثا: عرض النقود ارتفع من 94 مليار ريال في عام 1980م إلى حوالي 1729 مليار ريال في عام 2014م. رابعا: القيمة السوقية للأسهم المتداولة في سوق الأسهم ارتفعت من 67 مليار ريال في عام 1985م إلى حوالي 1813 مليار ريال في عام 2014م. خامسا: المملكة تكاد تكون أنهت وعبأت بنيتها التحتية والأساسية في كافة القطاعات، سواء من طرق ونقل وتعليم وصحة، وغيرها.. والجاري تنفيذه من بنية تحتية حاليا هو استكمالي وكثير منه ترفي أو يدخل في باب رفاهية المواطن، أكثر منه بنية أساسية. سادسا: إلغاء دعم كثير من السلع والخدمات لا يمثل مشكلة رئيسية للمواطن أو حتى للمنتج، وذلك لأن معظم هذه الدعوم مستمرة من فترات طويلة (في الغالب لا تقل عن 15 عاما)، وهي فترة طويلة وكافية لدعم تنشئة أو احتضان أي منتج جديد.. فالدعم هو مساندة حكومية لمنتج أو خدمة وليدة بالمملكة وحماية لها من المنافس الأجنبي أو المستورد، أو حتى يهدف هذا الدعم لمساندة هذا المنتج لاختراق السوق الأجنبية.. ومن المنطق توقع ازالة هذا الدعم بعد مرور فترة زمنية معينة. سابعا: تقرير صندوق النقد الدولي مثله كالتقارير الأخرى، يقوم على فرضية الدخل الدائم الذي لا يستطيع الاقتصاد السعودي الاستمرار بدونه، وأن هذا التقرير يرجح إمكانية استمرار وتماسك الاقتصاد السعودي في ضوء تراجع أسعار النفط لعام أو عامين بدون تأثر، إلا أنه يضع كثيرا من المخاوف حال استمرار التراجع لفترات أطول .. وهنا تأتي اللامنطقية والمبالغة في الأخذ بفرضية الدخل الدائم، فأين الإيرادات الأخرى ؟ أين السياحة الدينية وما تضخه من انفاق في الاقتصاد الوطني ؟ أين المعادن الاستخراجية ولماذا لم يتم افتراض قيام صناعات عليها كما هو حادث الآن، فلدنيا مجمع ضخم للألمونيوم وآخر ممكن للفوسفات ؟ لماذا لا تعطى أهمية للصناعات البتروكيماوية القائمة حاليا على النفط والغاز ؟ ثامنا: أيضا لماذا هذه التقارير جميعا لا تأخذ بفرضية أن تراجع أسعار النفط كفيل بدفع وتحفيز الحكومة السعودية لتكرير وتصنيع المزيد من النفط والغاز محليا، وبالتالي تزداد القيمة المضافة عليهما، ومن ثم تحقق المملكة إيرادات أعلى بتصدير منتجات نفطية مصنعة تكون أعلى فائدة للاقتصاد السعودي من تصديرها بالشكل الخام. رغم أن بعض نتائج تقرير صندوق النقد الدولي مفيدة ويمكن الاستفادة منها، إلا أن بعضها الآخر محل شك، لأن التحليل ارتكز على استبعاد عناصر ومتغيرات هامة كان يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكس المتوصل إليها.. والملاحظ بشدة، هو أن هناك حالة من التشاؤم تكتنف التقرير وهي غالبة على روح التحليل، لدرجة أن التحليل بات يكرر متغير تراجع أسعار النفط، وسعى لربطه واقحامه بكل عنف في تحليل عناصر كثيرا ما أشارت الدراسات الاقتصادية إلى تباعد التأثير بينهما.. نعم، أسعار النفط عنصر رئيسي بالاقتصاد السعودي، ولكنها في عام 2015م لم تعد تنال الأهمية التي كانت عليها في 1980م، وباتت تتشارك عناصر ومتغيرات أخرى في التأثير على الأداء الاقتصادي، من أهمها القطاع الصناعي ومشاركته في العملية التنموية وغيرها.