رغم معرفتي معنى الكلاسيكية ومعنى الرومانسية لم أحاول الخوض أو الكتابة ضد أو مع من تناوشوا لإثبات قدراتهم الإبداعية وانتمائهم لأيِّ منهما سوى أنَّي كتبتُ بعض قصائد أفتخر فيها بأصالتي لم أقدح فيها أحداً بعينه من محاربيها. وما كنت مُصنِّفاً نفسي رومانسياً ولا كلاسيكياً وما ذلك إلا لأنِّي أعرف أنَّ لكلِّ أدبٍ أصيلٍ أصلا يمتدُّ مع امتداد الزَّمن فيتطاول سامقاً بالمعاصرين أحيانا ويتدنَّى بهم كذلك وفق ما تمليه ثقافة العصر ويفرضه واقعُه. وإذا كانت أصول الشعر العربي ممتدَّة من أبينا أدام -علية الصلاة والسلام- إذْ يُروى أنه قال: حين قتل قابيل هابيل فردَّ عليه إبليس لعنه الله وغضب عليه بقوله: ففي هذا ما يؤكد انتمائي آدمياً لأصلٍ لا يخالفني فيه أحد. وإذا أغفلَ البروفيسور د. س. مرجليوث في (أصول الشعر العربي) هذا بعلمٍ أو بغير علم فاعترافه بوجود الشعراء في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام متخذاً من شواهد القرآن أدلة على ما يراه ففي ما يراه تأكيدٌ على أصالة الشعر العربي من لدن أبينا آدم عليه السلام. وقد أوضحت في موضوعٍ سابقٍ أنَّ مرجليوث (1) استدلَّ على عظمة الشعر وتأثيره بتقوُّل كفار قريش على المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ قالوا إنَّه شاعرٌ قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}، (2) وقال سبحانه في موضع آخر: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}، (3) وقالوا إنَّه ساحرٌ قال تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} (4) ولم يدفعهم لهذا التقوُّل سوى القرآنِ الذي جاء معجزةً وقف فصحاؤهم وأساطين لغتهم أمامها عاجزين على أن يأتوا بسورة من مثله وقد ردَّ الله تعالى عليهم بقوله: {بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}، (5). ولاشك أنَّ الشعر بهذا المفهوم كان المصدر المتسيِّد ثقافة العرب قبل الإسلام -مع الاعتراف بموقع الخطابة الفاعل حينذاك- أما بعد نزول القرآن ثم تدوينه وتدوين السنة فأصبح الشعر -وهو ديوان العرب- المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة. ولمكانةِ الشعر شجَّع الرسول -صلى لله عليه وسلم- شعراء عصره فقال لحسان رضي الله عنه في ما رواه البخاري عن حفص بن عمرو (اهجهم أوهاجهم وروح القدس معك).. كما أشاد برؤية قائليه ويوضح هذا ما رواه أبو هريرة رضي الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: وقد أثبت التأريخ أحقيَّة الشعر العربي لهذه المكانة أو المرتبة فلولا الشعر لما عرفنا أمجاد الماضين لذا (فالقبيلة التي لديها الشاعر الأجود تكون لها السَّيطرة على القبائل الأخرى والشعراء بهذا المفهوم ليسوا مروِّجي كهانات غير واضحة أو مفهومة ولكنهم مسجِّلو الأحداث إذْ يساعدهم ذكاؤهم على تخليد الحقائق)، ليجعلوا الشعر المصدر الوحيد حينذاك (6). ومن يعط الشعر قيمته الحقيقة لا يتجاوز نمطه الأصيل ولا يبتعد عن أغراضه السَّامية خاصة إذا ملك الموهبة الصادقة والمواد المساندة لهذه الموهبة. لذا أقول بكل فخر إني لن أحيد عن أصالة أسلافي ولن أبتعد عن أنماطهم لأعيش العمر متبعاً لهم حاذياً حذوهم لكن لستُ ممن قصدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) (7). وإذاً.. المقصود بالتبعِية هنا التقليد فالتقليد في نظري هو تشبُّه الجنس بغير جنسه ومنه قصة تقليد الغراب مشية الحمامة حيث حاول فلم يستطع فحاول الرجوع لمشيته فنسيها وهذا الشأن شأن من يحاول أن يتشبَّه بغير جنسه ويؤكد هذا رد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على من سألوه حينما قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) إذ قالوا اليهود والنصارى يا رسول الله؟.. قال: فمن؟). لذا أؤكدُ فأقول: لمن صنَّفوا من اتبعوا أبناء جنسهم في أدبهم وأشعارهم فسمُّوهم مقلدين وجعلوني واحداً منهم.. أقول لهم لسنا مقلدين أي لسنا كلاسيكيين ولا رومانسيين لما سبق ذكره ولما يأتي وهو: أولاً: إنَّ الكلاسيكية التي يزعمونها مصطلح ٌ لاتيني وليس عربياً إذ (يعد الكاتب اللاتيني أولوس جيليوس هو أوَّل من استعمل لفظ الكلاسيكية على أنه اصطلاح مضاد للكتابة الشعبية وكانت نشأته في القرن الثاني الميلادي. وتعدُّ مدرسة الإسكندرية القديمة أصدق مثال على الكلاسيكية التقليدية التي تنحصر في تقليد وبلورة ما أنجزه القدماء وخاصة الإغريق دون محاولة الابتكار والإبداع. وأول من طور الكلاسيكية الكاتب الإيطالي بوكاتشو فألغى الهوة الأرستقراطية والكتابة الشعبية حيث تعود لبوكاتشو أصول اللغة الإيطالية المعاصرة. وأيضاً شكسبير رائد المدرسة الإنكليزية الكلاسيكية دأب على تطويرها فوجَّه الأذهان إلى الأدب الإيطالي في العصور الوسطى ومطالع عصر النهضة. أمَّا المذهب الكلاسيكي الحديث في الغرب فإن المدرسة الفرنسية هي التي أسَّسَتْه على يد الناقد الفرنسي نيكولا بوالو قي كتابه الشهير فن الأدب الذي ألفه عام 1674م إلخ...). لذا أكرر فأقول -أيضاً-: أنا لستُ كلاسيكياً مندرجاً في مصطلحٍ ليس عربياً أصلاً -ولو أوَّلناه فقصدنا به التبعية نظراً لمفهومه لدى أولوس جيليوس- بل أفخر بانتمائي للشعر العربي الفصيح وكفى.. ولستُ كلاسيكياً لأنَّ أتباعها -رغم بروزهم- كأولدهام الإنجليزي وراسين الفرنسي وجوتشهيد الألماني ليسوا من أبناء لغتي وهويتي الثقافية المتميزة بل أفخر بانتمائي للشعر العربي الفصيح وكفى. (8) ثانياً: ولست رومانسياً لأنَّ الرُّومانسية مصطلحٌ فرنسيٌّ يرجع لجيمس بوزويل الفرنسي نشأ في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد وهي ثورة على العقل وسلطانه وعلى الأصول والقواعد السائدة في الكلاسيكية وفي الواقع لم تكن الرومانسية ثورة على الآداب الإغريقية واللاتينية والكلاسيكية، فحسب وإنما كانت أيضاً ثورة على جميع القيود الفنية المتوارثة وقد اعتبرت هذه القيود قيوداً ثقيلة حدتْ من تطور الأدب وحيويته وتعبيراً عن طابع العصر وثقافة الأمة وتاريخها لذا غلبت على الرومانسيين نزعة التمرد على القيم والعقلانية لذلك لم يمض عليها سوى قرنين ثم حاول الفرنسيون التخلص منها إلى ما أسموه بالرومانسية الحديثة وإن أقروا بها خيالا مجنحاً وقوة مشاعر عواطف لكنهم لم يبتعدوا بها عن واقعهم لأنهم اعتقدوا -وهو الصواب- أن الواقعية والعقلانية في نشر الفنون هما السبيل الأمثل الذي يستطيعون به معالجة قضياهم ويرسخون به هوياتهم الثقافية اعترافاً بأصولهم بل هاجموا كلَّ من يحاول إعادة آدابهم للرومانسية الأولى. أما المؤسف فهو أن يتخلى الفرنسيون عن دوافع هذا المصطلح فنرى من مفكري العرب وأدبائها وشعرائها من يروج له ويسعى جاداً لتأصيله غير مبال بعواقب تخلِّيه عن هويته لأخرى عافها أهلها. فإذا كانت فرنسا ملكة ثقافة الغرب والمشرعة السابقة لكل الفنون وهي المنتجع المأمون للمفكرين العرب وغيرهم فمصر أصبحت لدى المثقفين العرب وغيرهم النافذة التي تطل على الآداب الأجنبية لتتأسى بها وهذا ما حدث فعلاً بإنشاء مدرسة الديوان بقدرات الثلاثي عبدالرحمن شكري وإبراهيم المازني وعباس محمود العقاد والديوان -وهو اسم الكتاب الذي اشترك في تأليف العقاد والمازني- بلا شك نهجٌ رومانسيٌّ قديم جاء مضاداً مدرسة أبلو ومدرسة مطران نظراً لاختلاف الرؤى لذلك وقف أتباعه ضد توجه أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمود طه لواقعيتهم وعقلانيتهم صارفين النظر عن سمو بيانهم وقدرات مواهبهم التي أمتعتنا بما شنف أسماعنا وهزَّ أنفسنا فأسعد قلوبنا وأبصارنا إلا أني أرى أن اختيار أبلو عن الإحياء والبعث مدرسة شعراء كبار مثل شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم من فحول الشعراء المعاصرين غير موفق ومرجع عدم التوفيق هو أن أبلو يعني الإله الإغريقية وكأنَّ الأسماء الخالدة سواء ماء ما يتعلق بالفنون وغيرها في العالم العربي معدومة وهذا يجعلني أقول لست مقتنعاً بهذه المدارس وإن كان لشعراء أبلو ومطران وبعض شعراء الديوان مكانة عالية في نفسي. وبما أن مصر البوابة الكبيرة التي ينتشر منها ما ستجد من الأدب والفكر فقد حمل لنا مفاهيم مدرسة الديوان رموز كبيرة منهم الشاعر الكبير محمد حسن عواد وغيره فتأثر بهم كثيرٌ من شباب عشقوا الشهرة فتفرغوا لها لكنهم لم يعرفوا الهدف الحقيقي لنشر مفاهيم الديوان -وهو طبعاً الارتقاء بالأدب السعودي حسب توقعي- لذلك تخبَّط بعض الشبابِ لعجز ثقافتهم وعدم تمكٌّنهم من المواد المؤهلة لامتطاء صهوة الأدب بل بعضهم لم يواصل دراسته ليصبح تلميذاً دائباً لنشر مفاهيم مدرسة الديوان والصعود على سلالم وهمية بُنيت برموز داهمنهم الآجال قبل أن يوضحوا كامل الأهداف وقبل أن يستوعب أتباعهم كل أهدافها والمؤسف أن بعض الأتباع رغم استيعابهم لرسالة الديوان ما زال يعتقدون أن نهجهم الذي يتفرَّع بهم لِطرُقٍ مسدودة هو السبيل الأسهل إلى العالمية ناسين عالمية دينهم ولغتهم وآدابهم التي أصب حت بمثابة المهمل عندهم بل يفتخر بعضهم فيصنف نفسه بهذا النَّهجِ جهلا ليقف في صف اللبراليين أو العلمانيين. ولأن الشيء بالشيء يُذكر أعجبني الناقد الدكتور عبدالله الغذامي حينما أحس بهذا التوجَّه من بعض الشباب بادر بتصريح في محاضرة ألقاها في جامعة الملك سعود نفى فيه وجود منهجٍ ليبرالي صرف في الأوساط الثقافية السعودية وهاجم المدعين الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين اللبراليين السعوديين وذلك لأنهم يضيقون ذرعاً بالرأي الآخر ويسعون لإقصاء من يخافهم... إلخ. (9) وتصريح الدكتور الغذامي يشير إلى أن بعض الشباب من بلادنا يحلو لهم أن ينتسبوا لمصطلحات أجنبية لا يعون مفاهيمها وأهدافها. وأكبر دليل على هذا أن من انتسبوا لمدرسة الديوان لم يعوا أهدافها ولم يعرفوا سوى التغيير لكل ما تمليه عليه أهواؤهم غير مبالين بما يتركه التغيير من تعارض مع الثوابت التي لا يجوز بأي حال من الأحوال معارضتها بهوى زائف. وإذا كان ثمة من وعى رسالة الديوان فاستفاد منها لتنمية موهبته وتطوَّر أدبه فهم نزر يسير شهدت الساحات الثقافية بعطائهم وأنزلتهم المنازل اللائقة بهم. أما من فهم الهدف -لتدنِّي ثقافته واطلاعه- على أنه مجرد عداوة بينهم وبين أرباب الأصالة والتراث فسعى وما زال عدواً يحارب في خفاءٍ كلَّ ما لم ينسجم مع أهوائهم نرجو لهم الرؤية المبصرة وتوفيقنا وإياهم للخير والصلاح. ولا يخفى على الجميع الصراع الذي جرى بين من يسمون أنفسهم بالحداثيين وبين أتباع الأصالة حيث سعى بعض الحداثيين وهم مقلدو الرومانسيين -وإن نسبوا ذواتهم لمدرسة الديوان- لإثبات أنفسهم وإسهاماتهم بأساليب متعددة ولم يعادوا كل من ينتمي لأصالته إسهاماً فحسب بل اعتبروهم متخلفين ومقلدين متناسين أو متجاهلين أن هذا ينطبق عليهم لأننا اتبعنا أسلافنا والجنس إلى جنسه أميلْ أما هم فاتبعوا غير جنسهم ليكون وصف التقليد أولى بهم. لذا بالمقابل بادر بعض من يفتخرون بأصالتهم ويذودون عنها بالردِّ والنقد ودفع الحجة بالحجة على كل من يحاول أن يشوَّه تراثهم ولغتهم لنيل شهرة أو بلوغ مقصد معاد هويته الأصيلة وفي (الحداثة في ميزان الإسلام) للدكتور عوض محمد القرني تقديم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز أكبر برهان على ما تقدم. ومن اطلع على (الحداثة في ميزان الإسلام) سيجد أن الدكتور القرني كان متابعاً يفوق التميُّيز وإن كنت لا أوافقه في كل ما كتبه في ما يتعلق ببعض النصوص وبعض الشعراء المبدعين مع احترامي وتقديري لجهده وفهمه ورؤيته. أخيراً لمعرفتي أن الرومانسية القديمة قامت على أنقاض الكلاسيكية القديمة -وهما مصطلحان غير عربيين- وأن الرومانسيين يلجأون للغموض عادة خوفاً من عين الرقيب في بعض إسهاماتهم أود أن أشير إلى: أولاً: أن في أشعار العرب المحافظين الملتزمين بأوزان الشعر الفصيح -ابتداءً من العصر الجاهلي إلى عصرنا الحاضر- ما يندرج تحت مسمى هذين المصطلحين الحديثيْن لا القديميْن بلا مراء والشواهد بلا حصر لكنني أبهو بتراثي وأصالتي فأكرر وأقول: لست كلاسيكياً ولا رومانسياً بل أفخر بانتمائي للشعر العربي الفصيح وكفى غير أني أرجو تكون ثمة مدرسة عكاظية أو مربديِّة وأرجو أن يلتزم أتباعها بالشعر الأصيل الذي لم يقف ضد التطوُّر ولا يتعصَّب للتبعيَّة. ثانياً: إذا كان شعراء الرُّومانسية يتباهون بالغموض المسيطر على أشعارهم فهذا الغموض موجود في الشعر العربي منذ ولادته وقد استنتج النقاد هذا من اتهام كفار قريش الرسول صلى الله عليه وسلم بالشعر تارة وبالكهانة والسِّحر كذلك وذلك لما كان يخبر به من أمور غيبية عليه الصلاة والسلام يتنزل بها القرآن إذْ من المعلوم أن استراق السمع من قبل الجن كان سارياً قبل بعثة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ونزول الوحي ويؤكد هذا قول الشاعر: أنا وكلُّ شاعر من البشر ويؤكده أيضاً قول امرئ القيس: تخبِّرني الجنُّ أشعارها وفي أيام العرب وقصصهم حكايات للشعراء تؤكد هذا المفهوم لكن الغموض هنا غير الغموض عند أدعياء الشعر الذين يستعملون كل طاقاتهم الفكرية لنحت الصَّخر بأظافيرهم ليقولوا ما يسمونه شعراً كيف ما كان ليحظوا بلقب شاعر ويسمون الشعراء الحقيقيين ناظمين مهما تسم لغتهم بجلاء قرائحهم: ثالثاً: لا أنكر أن ثقافتنا امتزجت -في الماضي- بثقافة الآخرين كما اختلط مفكرونا وأدباؤنا بمفكريهم وأدبائهم وكان لهذا أثره في الرقيِّ بثقافة العربي وسمو بيانه كما كان له أثر في سمو ثقافة الآخرين وسمو بيانهم إلاَّ أنَّي أجزم أنَّ الأديب العربيِّ الأصيل حينذاك لم يبتعد عن هويَّته الثقافية ولم يعاد تراثه بل كان امتداداً لثقافته المتأصلة وأدبه الأصيل رغم استفادته من آداب الآخرين وثقافاتهم وليس من المعقول أن أكون ضدَّ الاستفادة من ثقافة الآخرين وآدابهم بل أباركها لكن بشرط عدم التخلِّي عن هويَّتنا الثقافية وأبعاد الانتماء الأصيل لتراث أمتنا وديننا. رابعاً: أقول لمن يتَّهمونني بقوميَّةٍ ترفض التطوُّر الأدبي إنَّني لستُ ضد تطوُّر الأدب وحداثته لأنني أحبُّ شعر أبي تمام ومع مؤدي تفرُّده الشعري لكنَّني ضدَّ التطوُّر أو الحداثة التي لم تبْنِ مهدوماً ولم تبلسم مجروحاً ولم تمسح دمعة ولم تواس منكوباً وتردع ظالماً ولم تغرس الإباء والإقدام لإبطال بغيٍ وإظهار حقٍّ لأني أرى لا قيمة للشعر إن لم يواكب قضايا أمَّته وينافح عنهم بلغةٍ مفهومة وبيان سام، ولا قيمة للشعر إن لم يكن صاحبه أدرى بالمتلقي فيصوغ ما يراها أقرب وصولاً لفهمه أو استيعابه وإلا فما قيمة الشعر إذا كان أشبه بالطلاسم في زمانٍ انتشر فيه الظلم واستفحل الباغون وكثرت الفتن وتعددت مكائد الحاسدين والحاقدين. أليس أحرى بمن يريدون الشعراء أن ينشدوا لذواتهم ومعشوقاتهم ليكون بوحهم للفن فقط أن يعرفوا أن في هذا عداوة لواقعهم وأمتهم؟.. ليتهمْ يفقهون!!. ** ** ** الهامش 1- العاصفة وصدق انتماء الأصيل نشر في جريدة الجزيرة في 26 بريل 2015م. 2- سورة الطور الآية (30). 3- سورة الطور الآية (52). 4- سورة الصافات الآية (36). 5- سورة الصافات الآية (37). 6- أصول الشعر العربي للبروفيسور د.س. مرجليوث ترجمة الدكتور يحيى الجبُّوري صفحة (56). 7- رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري -رضى الله عنه-. 8- ويكيبيديا (الموسوعة الحرة). 9- جريدة الجزيرة (الثقافية) في العدد الصادر في 1/10/ 1432ه.