قراءة كتب الرحالة والمستشرقين التي تعود للقرن (السابع والثامن والتاسع) عشر، وحتى أوائل القرن العشرين عند بداية تأسيس دولتنا على يد الملك عبدالعزيز يرحمه الله، تفحص ما دونه الرحالة من مشاهدات تجعلنا نشعر بالفخر بهذا المنجز، كيف تحولت صحراء الجزيرة العربية من صحراء يابسة العيش وسطها يعد من الموت البطيء يتهدد أهلها: الموت، الفقر، المرض، الجهل، قطاع الطرق، العطش. تتحول إلى دولة محورية في المنطقة والعالم، تصبح بحمد الله وقوته أحد مصادر العيش الرئيس لشعوب واسعة من سكان الأرض، أصبحت مصدر خير ونماء ورزق للقارات المحيطة بها، يفد إليها من أقاصي شرق آسيا وغرب إفريقيا على أطراف المحيط الأطلسي وحتى من جنوب شرق أوروبا هذا من حيث السكان، أما من ناحية الاقتصاد العالمي فتكاد تكون بلادنا الدولة الرئيسة في سلعة النفط الاستراتيجية، فهي من المحركين الأساسيين للاقتصاد العالمي. هذا التضاد والتباين ما بين تاريخ السعودية عند التأسيس عام 1902م، والتوحيد 1932م، والوقت الحاضر 2015م هي رحلة حضارية عاشتها المملكة في صراع مرير مع شح الموارد وضعف الاقتصاد والحروب الداخلية والصراعات القبلية حتى قيض الله لهذه الدولة الملك عبدالعزيز ومن معه ليقودها بإذن الله إلى الاستقرار والحياة الرغدة، قراءة ما كتبه الرحالة ممن زاروا المنطقة أو ممن نقل عن رحالة كتبوه بعيون دولهم وحضارتهم تجعلنا نحترم بناة هذه الدولة ونبقي لهم الوفاء جيل الأجداد والآباء صناع هذا الكيان، الأجداد الذين قادهم الملك عبدالعزيز - عليه وعليهم رحمة من الله واسعة - لتأسيس دولة كانت صحراء جرداء, كانت مقبرة للعابرين وممراً مميتاً للطرق التي تربط ما بين القارة الهندية القديمة وبين أوروبا حين تضطرهم ظروف الحروب ورياح البحر العاتية أن يسلكوا عبر القوافل طرقها البرية شرقي الجزيرة العربية وغربها، أما الوسط فكان متلاطماً من بحر الرمال وقطاع الطرق ونقص المياه العذبة. كيف تحولت جزيرة العرب التي تعد من أشد الأقاليم الجافة جفافا، وأقسى المناطق شبه المدارية، وأيضاً شبه جزيرة كبرى شحيحة المياه إلا من مياه الشقوق في درعها العربي الصلد وغور مياهها المالحة في نصفها الثاني في القطاع الرسوبي، فصحراء بهذه المعطيات القاسية كان من المستحيل قيامها لولا إرادة الله أن تنهض من تحت رمال النفود الكبير والربع الخالي وقوس الدهناء الرملي، دولة تقود اقتصاد العالم نهض بها - برعاية الله - مؤسسها الملك عبدالعزيز على مساحة (2) مليوني كيلو متر مربع، تقع على 70 بالمئة من مساحة شبه الجزيرة العربية، وهذه هي المعجزة السياسية والجغرافية والحضارية.