بكل أسى وحزن، ودعت الحياة الدنيا صديقي عزيزي وأخي الكريم الفقيد الغالي صالح بن محمد الجدعي، الذي وافاه الأجل المحتوم، بعد معاناة مع المرض في أيامه الأخيرة، وتنقّل للعلاج في عدة مرافق صحية ليودع الدنيا في باب سنعبره جميعاً، قال تعالى في كتابه الحكيم: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} . لقد عشت أياماً لا تنسى مع فقيدنا الغالي لأتحدث عنه بهذه العبرات التي في داخلي عندما سمعت بخبر وفاته يرحمه الله، والذي نزل عليّ كنزول الصاعقة، لنصبر ونحتسب أنّ هذا قدر الله ولابد أن نؤمن بذلك، أقول ورحل صاحب الهمزات ترجّل من على صهوة هذه الحياة، سافر في سياحة ربانية أبديه، غادر عاجلتنا الفانية إلى باقية وارفة ظليلة إن شاء الله، جمعتنا صوادف الأيام وطورائ الأزمان معه ومن قبله مع والده رحمه الله، وكانت لنا جلسات وجلسات، كان رحمه الله ضليعاً بلغة الأعراب وعالم القواعد وخفايا الهمَزات، وعندما تجمعنا الجلسات تتعطل لغة الكلام بسبب صاحب الهمَزات، وكان له من اسمه أكبر نصيب ودماثة خلق جميل منطق بشاشة أساريره سخاء يد، كان صالحاً في تعامله متوازناً في علاقاته، وفي أواخر أيامه كان لا يزال يحتفظ بكامل اتزانه ورباطة جأشه وحصيلة صبره، كان المرض ينهش في مفاصله والتعب الجسدي أنهك قواه، كان إيمانه فوق كل مرض وتعلقه بربه فاق كل حد، زرته في رقدته الأخيرة كانت شمسه تلامس المغيب. كانت بوادر الرحيل تحيط زوايا سريره في غرفة الإنعاش، كانت روحه المطمئنة تعانق سماء المكان في طريقها إلى عالم الملكوت الأعلى، قاربت الخطى، وقفت على رأسه وتحسست الكف التي طالما شددتها وطالما شدتني. كانت باردة برود الثلج فاقدة لكل حرارة الحياة، كنت في عالم وكان رحمة الله في عالم آخر، وتدحرجت عبرة حارقه أغنت عن كل عنوان، وكان ذلك الموقف آخر عهدي بصاحب الهمزات، وصباح الاثنين الماضي عشية ذي الحجة 1436ه، كان خبر الوفاة ووصول الآجال نهاية المشوار، وطُويت صفحة مشرقة ناصعة كانت تُعرف بصالح محمد الجدعي، هو بكل الأحوال إنسان أولاً وبشر ثانياً وخطاء ثالثاً، هذه هي تركيبة كل إنسان، فمن كانت هذه هي تركيبته وتلك هي سلوكياته، فليمد يد التسامح ويبدي ملامح العفو ويتجاوز عن كل زلة، فاليوم صالح وغداً قد تكون أنت ومن أنت أمام جبروت الموت، تستجدي العفو والغفران، مسكين أنت أيها الإنسان الكل يبحث عن مخرج نافذة أمل مهرب، لكن إلى أين، فالمفر منه هي بكل بساطه عوده إلى شيء غيبي أسمه الموت. لا يحتاج إلى بروتكولات ولا سجاجيد حمراء ولا حفله مباخر وسحب زرقاء. ليس بحاجة إلى استخراج كرت زيارة أو فيزة عمالة، يدخل بلا إذن ويدلف بلا سلام هدفه واحد، ومهمته محددة تسلم العهدة عند حلول الآجال، لا يهتم لعويل هنا وصراخ هناك، لا تهمه المناصب ولا تثنيه الألقاب ولا تحركه مشاعر الموت على الأبواب، يترصّد الخطى وينتظر اللحظات، فصفاء الدهر لن يدوم وربيع العمر سوف يزول، فالحياة كما قيل رحال تشدو أنفاس تُعد وعارية سوف ترد. رحمه الله أبو محمد وتغمّده برضوانه ولأهل بيته كل صبر وسلوان.