أوصى صندوق النقد الدولي، الدول المصدِّرة للنفط باتخاذ إجراءات تقشفية، تشمل تخفيض الإنفاق العام وبرامج الدعم الحكومي وإيجاد مصادر بديلة لتمويل الإنفاق الحكومي، لكننا لم نسمع أن الصندوق قدّم توصيات مماثلة للنرويج، وهي بلد نفطي لا بد أنه هو الآخر قد تأثر بالتراجع الحالي في أسعار النفط الخام.. الكثير يربط بين هذا الوضع الذي تتميز به النرويج وبين امتلاكها لصندوق سيادي، ورغم أن صندوق التقاعد النرويجي يمثّل حجر الزاوية في نظامها المالي، إلا أن وجوده لا يمثّل السبب الذي جعلها في وضع مختلف، فالعديد من الدول المصدرة للنفط تملك صناديق سيادية، لكن ذلك لم يشفع لها، ولم يجعلها أقل تأثراً بواقع السوق النفطية. مصدر تميُّز النرويج هو أن الحكومة النرويجية كانت على مدى عقود واعية تماماً بالتأثير السلبي لنمو الإنفاق الحكومي بمعدلات عالية مع توفر مصدر تمويل سهل للإنفاق العام مع تزايد إيراداتها النفطية، ومن ثم فقد ألزمت نفسها بقيد يحد من قدرتها على زيادة الإنفاق العام مع تزايد إيرادات النفط.. فالتنظيم المالي الحكومي في النرويج ينص على إيداع كامل إيرادات صادرات النفط والغاز في صندوق التقاعد النرويجي، ولا يسمح للحكومة بالسحب منه سنوياً إلا ما يعادل 4% من إجمالي موجودات الصندوق بحد أقصى. ففي عام 2014 على سبيل المثال بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي 1,127 مليار كرونة نرويجية، ولم يتعد التحويل من الصندوق السيادي لتمويل الميزانية 156 بليون كرونة، أي ما يعادل أقل من 14% من إجمالي الإنفاق الحكومي، أي أن ما يزيد على 86% من تمويل الإنفاق الحكومي جاء من مصادر إيرادات أخرى عدا النفط. وحيث إن إجمالي موجودات صندوق التقاعد في نهاية عام 2014 كانت تبلغ 6,431 بليون كرونة، فإن ما تم تحويله في هذا العام من الصندوق إلى الحكومة لم يصل إلى نسبة ال 4% التي يسمح بها القيد المالي على الحكومة ومثّل فقط 2.4% من موجودات الصندوق في ذلك العام.. أي أن الحومة كانت تستطيع أن تسحب 257 بليون كرونا من الصندوق السيادي، ومع ذلك اختارت ألا تقوم بذلك، وهو ما يُظهر انضباطاً مالياً لا نظير له جعل تراجع مصدر إيرادات لا يُشكّل أصلاً إلا 14% من تمويل الإنفاق الحكومي محدود التأثير على الميزانية الحكومية وبالتالي على مجمل النشاط الاقتصادي. ومن ثم، فالنمو الكبير المستمر في الإنفاق العام في الدول المصدرة للنفط وعلاوة على ما يتسبب به من انخفاض في كفاءة هذا الإنفاق وارتفاع في معدلات التضخم وفي تكلفة المشروعات، فإنه تسبب أيضاً في جعل هذه البلدان أقل قدرة على التعامل مع تراجع أسعار النفط، وأوجد الحاجة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية تسهم في زيادة حدة تأثير تراجع أسعار النفط على اقتصاداتها، ولم يكن ليجدي امتلاكها لصندوق سيادي في تغيير هذا الواقع مطلقا طالما لم تضع قيوداً ملزمة تحد من نمو الإنفاق العام.