الانتخابات البلدية ليست تعبيراً اجتماعياً عن قوة معينة، بقدر ما هي تعبير عن القوة النوعية في المجتمع، لأن طبيعة البلديات خدمية للمواطن، وعليه فهي ليست منصة وجاهية للأفراد، والأسر لأن خدمة المجتمع هي المعيار الرئيس لهذه الانتخابات، والأشخاص ممن يمتلكون القدرة الفنية والمعرفية والإنسانية، هم الأشخاص الذين نحتاجهم للقيام بهذه المهام. وعليه، فإننا نتطلع أن تزدهر وتتطور معالم هذه التجربة، وتنضج مع الوقت، لأن خدمة الناس ليست أمراً سهلاً، لكن تلبية احتياجاتهم، والتخطيط لمستقبلهم أمرٌ حيوي وجزء رئيس من الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي والوطني، حيث إن المقياس الرئيس للانتخابات البلدية هو القدرة على الخدمة، وهي خدمة تنموية لمجتمعات تحتاج مزيداً من التطور الاقتصادي والإداري والتنظيمي والسلوكي. فمهام البلديات كأجهزة حكم محلية، مهام جليلة وعظيمة، لأن التخطيط التنموي ينعكس إيجاباً على الأفراد، سواء من حيث الاستثمارات، أو من حيث العمل الوظيفي، أو من حيث طبيعة الخدمة الموفرة لهم، وفي دول متطورة كان النجاح في الخدمة المجتمعية، والأهلية أساساً لارتقاء هؤلاء الأفراد إلى مناصب أعلى وأهم، فهناك رؤساء بلديات أثبتوا جدارتهم ووجودهم، وأصبحوا أعضاء في مجالس مختلفة منها مجلس الشورى مثلاً. كما أن المجالس البلدية في المملكة هي إقرار للخطط والبرامج البلدية، وعمل الميزانيات والحساب الختامي للبلديات وممارسة الرقابة والمتابعة على أداء البلديات الرئيسة والفرعية وما تقدمه من خدمات للمواطنين، إضافة إلى دراسة مشروعات المخططات التنظيمية والسكنية، وجميع الخدمات البلدية، والرسوم والغرامات، وشروط البناء ورخص الأراضي، ومعايير البيئة والصحة العامة. لذا، فإن الانتخابات البلدية واجب يفرضه التزام المواطن في المشاركة تجاه مجتمعه ووطنه، واختيار من يمثّله في المجلس البلدي، وحق الانتخاب عام لكل المواطنين رجل وامرأه بعد عمر 18 سنة بشرط القيد في جداول الناخبين، ومن أهم واجبات المواطن محاسبة الأعضاء المنتخبين في حال التقصير في أداء أعمالهم، وتفعيل دور مجالس الأحياء، وعمل لقاءات مع رؤساء البلديات ومتابعة شكاوى ومقترحات ومشاركات المواطنين. والكثير لا يعلم عن أهمية الانتخابات البلدية، فمن الفوائد التي تعكس أهمية الانتخابات، أن المواطن يشارك بصوته لمن يراه مناسباً وكفؤاً ليقوم بترشيحه، وتمثيله في المجلس البلدي وفرصة أكبر للمشاركة الجماعية وخوض تجربة جديدة يكون المواطن فيها مشاركاً في صُنع القرار، وهذا يعطي المواطن قوة أكبر لتحسين وضعه، ويتيح له الفرصة للتعبير عن رأيه وتطلعاته ومساءلة من تم انتخابه عن خدمات راقية ومميزة. الانتخابات أسلوب حديث وحضاري وديمقراطي يُعبِّر عن رقي وتحضُّر الفرد والمجتمع، ويحسن الحوار، ويُشعّر المواطن بالعدل والمساواة، ويحقق له الشفافية والنزاهة، ونتمنى أن يتم اختيار الأفضل والأكفاء من بين المرشحين والمرشحات لانتخابات المجالس البلدية، والقادرين على إحداث تنمية حقيقية في الوطن من خلال القيام بدورهم والمشاركة في صنع القرار، وندعو إلى ضرورة توسيع دور المجالس البلدية في جميع أنحاء السعودية. ونتمنى نجاح الانتخابات البلدية وتفاعل جميع المواطنين والمواطنات معهم، وحل جميع القضايا المحلية، ونأمل زيادة عدد المنتخبين في المجالس البلدية، وتوسيع مشاركة المرأة كناخبة ومرشحة، لتكون عنصر قوة ودعم للمجالس البلدي، وإعادة النظر في الميزانيات المرصودة للأمانات، حيث إن المشكلات الرئيسة التي تواجه الأمانات لتنفيذ مشروعاتها هو عدم كفاية الميزانيات المرصودة لتنفيذها. ويفترض الاستفادة من الرسوم البلدية في دعم ميزانيات الأمانات لتنفيذ مشروعاتها، كما على المواطنين حسن اختيار مرشحيهم والعمل على اختيار الأكفأ منهم، وأن يكون معيار الترشيح هو الكفاءة وليس المحسوبية والمصلحة الخاصة، لأن أصواتهم ستكون الرسالة إلى المسؤول، ليكونوا صوتاً للمواطن، في إيصال احتياجات المواطنين إلى المسؤولين. وختاماً، نقول إن البلديات إذا ما أُحسن استثمار الدور الكبير الذي أُنشئت من أجله، وإذا استطاع القائمون عليها الانخراط العملي في التعامل مع المجتمع البلدي، وخلق ثقافة المشاركة في الخدمة والواجب الوطني، وتكريس سلوك عملي تطبيقي بعيداً عن الأقوال دون الأفعال، فإن المجتمع البلدي يحتاج لثقافة وإدارة جديدة، يمكنها فعلاً القيام بمهام، ومسؤوليات وطنية عظيمة وأعتقد جازماً بأن النجاح سيكون دوماً موضع تقدير المواطن والقيادة.