يجلس المسافر على مقعده المفضل، على متن طائرة ستحلق به بعيداً إلى وجهة ما، ربما تكون لحضور مناسبة سعيدة أو إنجاز عمل مهم أو لقضاء إجازة ممتعة في بلد آخر. يتناول الراكب قهوةً عربيةً مع حبات من التمر، يطلب من أقرب ملاح تلمحه عيناه مطبوعة بعينها، لكي يقلب صفحاتها ريثما يستقر ذلك الجسم العجيب في السماء على ارتفاع (34) ألف قدم قد تزيد أو تنقص قليلاً، وما هي إلا ساعات ويعلن قائد الطائرة عن الاستعداد للهبوط، ليصل المسافرون لذويهم أو لأماكن عملهم بسلامة الله وحفظه. هنا، يعتقد الجميع أن قائد الطائرة وطاقم الخدمة الجوية هم - فقط - من قاموا بتشغيل تلك الرحلة وبذلوا جهداً في تخطيطها ومتابعتها وخدمة المسافرين على متنها، إلا أن الواقع غير ذلك فثمة فريق آخر يعمل خلف الكواليس ويبذل جهوداً كبيرة ودقيقة ضمن المنظومة المتكاملة للعمليات التشغيلية في شركة الطيران ويقوم بدور محوري لكنه غير مشاهد، هذا الفريق هو «الترحيل الجوي» وأولئك هم المرحلون الجويون. ولاستطلاع دور وأهمية هذه المهنة قامت «الجزيرة» بجولة صحفية في إدارة الترحيل الجوي والتي تقع بالطابق الأول من مبنى إدارة العمليات الجوية للخطوط السعودية في المنطقة المساندة بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، وتم إعداد هذا التقرير، فإلى مزيد من التفاصيل: مهام ومسؤوليات دور المرحل الجوي من أكثر الأدوار أهمية في صناعة النقل الجوي، وتتطلب مهارات عالية وتأهيلاً مكثفاً يشمل الدراسة النظرية والتدريب على رأس العمل لفترة قد تستمر لمدة خمسة أعوام، حتى يتولى القيادة الأرضية للرحلات الجوية ويصبح شخصاً مؤهلاً ومجازاً قانوناً لترحيل الطائرات. ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن المرحل الجوي يعد طياراً آخر على الأرض. وتتعدد مهام ومسؤوليات (المرحل الجوي) التي من أبرزها دراسة كل المعلومات الفنية وتجهيز المستندات اللازمة للرحلة كافة وتجميعها لقائد الطائرة قبل الإقلاع وتسليمها له والتوقيع معه سوياً على نموذج (إذن الترحيل الجوي) الدال على مشاركته في تحمل مسؤولية سلامة الرحلة، حيث لا ينتهي عمل المرحل الجوي، بل يستمر في مراقبة هذه الرحلات ومتابعتها من لحظة الإقلاع حتى لحظة وصولها بالسلامة بواسطة عدد من وسائل التواصل مع قمرة القيادة في الجو. القائد الأرضي التقينا في بداية الجولة مدير عام الترحيل الأستاذ محمد بن حسن هوساوي والذي رحب بنا، مبيناً أن المرحل الجوي يعد بمنزلة القائد الأرضي، وهو المؤهل والمجاز قانوناً لترحيل الطائرات بعد دراسة كل المعلومات الفنية وتجهيز كل المستندات اللازمة للرحلة وتجميعها لقائد الطائرة قبل الإقلاع وتسليمها له والتوقيع معه سوياً على نموذج (إذن الترحيل الجوي)، آخذاً في الاعتبار دقة التخطيط، سلامة الرحلة، قانونية الترحيل. والعمل لا ينتهي عند إقلاع الطائرة بل يستمر في مراقبة سير الرحلات ومتابعتها حتى وصولها بالسلامة. وظيفة حساسة وفي رد على سؤال ل«الجزيرة» عن عناصر التأهيل والتدريب لهذه الوظيفة الحساسة في الخطوط السعودية؟، قال الهوساوي: المرحل الجوي يدرس الجانب النظري المقرر لقائد الطائرة، وهي المواد التي تجيز له عملياً القدرة على التخطيط السليم للرحلة واتخاذ القرارات بناء على دراسة أكاديمية شاملة، ويكون الفرق بينه وبين الطيار هو أنه لم يدرس العملي وليس مصرحاً له بقيادة الطائرة حتى أنه يلقب أحياناً بالطيار الأرضي. وأضاف: هذه الوظيفة تتطلب إتقان اللغة الإنجليزية بمستوياتها العليا واجتياز برنامج الترحيل الجوي والعمليات الجوية في أحد المعاهد المتخصصة، وذلك للحصول على رخصة الترحيل الجوي من الهيئة العامة للطيران المدني في عمر 23 عاماً، ويتيح نظام الهيئة العامة للطيران المدني الحصول على هذه الرخصة بصفة مؤقتة في عمر 21 عاماً، ويقضي متدرب الترحيل الجوي فترة تدريبية على رأس العمل قبل التعيين على وظيفة مساعد مرحل جوي وحتى يصل إلى مرحل جوي قد تصل المدة إلى (5) سنوات. قبل الرحلة وعن آلية عمل المرحل الجوي، قال ثامر الدعيرم كبير المرحلين الجويين: يبدأ المرحل الجوي عمله مبكراً وذلك قبل (6) ساعات من إقلاع الرحلات، وتختلف المدة بحسب الوجهات فكلما كانت مدة الطيران طويلة تتطلب الأمر التخطيط للرحلة بفترة زمنية أطول قبل الإقلاع، وعليه فإن مهام المرحل الجوي تنقسم إلى مهام قبل وإثناء وبعد الرحلة. وأضاف أن المرحل الجوي يقوم أولاً بالتجهيز للرحلة، وذلك من خلال مجموعة من العناصر، أهمها التأكد من كفاءة الطائرة التي ستقوم بالرحلة من الناحية الفنية، بمعنى إمكانية وصولها بسلام لمحطة المقصد، ثانياً الاطلاع على تقارير حالة الطقس في بلد المغادرة وبلد الوصول، خرائط حالة الطقس في طبقة الجو العليا، الطرق الجوية التي ستسلكها الطائرة، عمل خطة طيران للرحلة الذي يشمل الوقت الذي تستغرقه الرحلة والارتفاع الذي ستحلق فيه، بالإضافة إلى الممرات الجوية التي ستسلكها الطائرة والمطارات البديلة في حالة الطوارئ -لا قدر الله-، وحساب كمية الحمولة الممكن نقلها على الطائرة، وحساب كمية الوقود والوقود الاحتياطي، بالإضافة إلى طلب تصريح عبور الأجواء والهبوط من الدول الأخرى إذا لزم الأمر. برامج آلية واستطرد الدعيرم قائلاً: بعد تجميع المعلومات المطلوبة ودراستها، يتم إدخالها من خلال برنامج آلي خاص هو نظام جبيسون لتخطيط الرحلات الذي يستخدمه المرحل الجوي لاختيار أفضل مسار جوي ومقدار الوقود وغيرها من البيانات، بعد ذلك يتخذ المرحل الجوي قراره المبدئي، سواء بالطيران أو الغاء الرحلة، وعندما يتأكد المرحل الجوي بأن جميع العوامل مناسبة وقانونية لسير الرحلة فإنة يقوم بوضع جميع أوراق ومستندات الرحلة في مظروف يسمى (مظروف الرحلة) ليسلم لاحقاً لقائد الطائرة، وتجهيز نموذج إذن الترحيل الجوي والذي يكون على شكل وثيقة اعتماد تشغيل الرحلة ويحتوي على كمية الوقود اللازمة للرحلة، المطار البديل الذي يمكن الهبوط فية إذا تعذر الهبوط في محطة الوصول، الوزن المسموح به لإقلاع الطائرة، اسم قائد الطائرة واسم مرحلها. إذن الترحيل الجوي بعد ذلك أخذنا محمد المحضار كبير المرحلين الجويين إلى قسم المتابعة والمدير المناوب، وذلك لاطلاعنا على الآلية الخاصة بتسليم المرحل الجوي لقائد الطائرة عند حضوره لمكتب الترحيل الجوي جميع المعلومات الملاحية والفنية للرحلة والتباحث معه في جميع العوامل التي تؤثر في الرحلة كحالة الطقس وسرعة واتجاه الريح، وبعد الاتفاق بينهما على قانونية وسلامة الرحلة يقوم قائد الطائرة والمرحل الجوي بالتوقيع سوياً على إذن الترحيل وبهذا يكون كل منهما مسؤولاً عن سلامة الرحلة حسب الأنظمة والقوانين المتعارف عليها، بعد ذلك تغادر الرحلة بحسب التخطيط المتفق علية بين المرحل الجوي وقائد الطائرة. متابعة الرحلة وأكد المحضار أن المرحل الجوي يقوم بمتابعة سير الرحلة من حين مغادرتها حتى وصولها من خلال الاتصال بين قائد الطائرة والمرحل الجوي لمعرفة الوقت المتوقع للوصول والنقاط التي تعبرها الطائرة وحالة الطقس في الأجواء العليا، مراقبة وتسجيل أي تغير في مسار الرحلة، إبلاغ قائد الطائرة فوراً بأي معلومات جديدة قد تؤثر على الرحلة، وضع البدائل المناسبة والتقرير مع قائد الطائرة في الحالات الطارئة إما الهبوط في أقرب مطار مناسب أو العودة إلى محطة المغادرة أو الاستمرار والهبوط في محطة الوصول، تقديم المساعدة لقائد الطائرة عند حدوث خلل فني طارئ مستعينا بما لديه من مراجع أو بإيصال قائد الطائرة مع مسؤولي الصيانة. وسائل الاتصال وعن وسائل الإتصال المتاحة، قال المحضار: يستخدم المرحل الجوي أدوات خلال عمله كالحواسيب الآلية وأجهزة الطباعة لاستخراج الخرائط الملاحية والخرائط الخاصة بالطقس، وهي تعد من أهم العوامل التي يعتمد عليها في تخطيط الرحلات, كما يتعامل بحزمة برامج مكتبية ويعد التقارير, ويستخدم الهواتف للاتصال بالجهات الأجنبية كمطارات في دول أخرى ومحطات ومكاتب أرصاد جوية, لذلك لابد من أن تكون لغته الإنجليزية فوق الجيد تحدثاً واستماعاً، كما أن هناك وسائل عدة للتواصل مع قائد الطائرة في الجو هي، صوتيه: الراديو (في اتش اف) و(تي اتش اف)، الستلايت، التلكس وهو عبارة عن بيانات مكتوبة، كما أن هناك بعض الحالات الإنسانية التي تستدعي هبوط اضطراري في أقرب مطار، حيث يعمل المرحل الجوي جاهداً للاستجابة لمثل هذه الظروف والتنسيق مع كابتن الطائرة وتنفيذ الإجراءات اللازمة رغم أن ذلك يكلف «السعودية» مبالغ باهظة. وصول الرحلة وبعد وصول الرحلة يتم تبادل المعلومات بين قائدي الطائرة والمرحل الجوي للتعرف على العقبات التي صادفت الرحلة (إن وجدت) حتى يتم تفاديها للرحلات القادمة.