كان خيار الحرب هو الأخير أمام المملكة العربية السعودية لوقف مهزلة تاريخية كانت قاب قوسين أو أدنى من اكتمال فصولها، في ظل تجاهل جماعة الحوثي جميع النداءات الدولية والوساطة السعودية للتراجع عن اغتيال الديمقراطية في اليمن وفرض الرأي بقوة السلاح واختطاف وطن بأسره لصالح جماعة مصالح مشتركة التقت مصالحها على بلد كان يستحق مآلاً أفضل بعد إنجازه ثورة أشار إليها العالم بالبنان، لكن قوى الرجعية والهيمنة تآمرت على مستقبل اليمن وغامرت بمقدرات شعبه، وسعت للاستيلاء على المشهد بالكلية، ملقية باليمن في أتون عقود مقبلة من الاحتراب الأهلي. وحاولت المملكة جاهدة من خلال قنواتها الدبلوماسية، إطفاء نيران الصراع الذي زجت جماعة الحوثي باليمن في أتونه مبكراً، عبر أكثر من نداء ومبادرة كان آخرها المبادرة الخليجية الثانية التي تقضي بانسحاب الحوثيين من محاصرة القصر الجمهوري بشكل فوري، مع ضمانة تراجع الرئيس اليمني عن استقالته وعودة الملفات كافة إلى طاولة الحوار للنظر في بنود اتفاق السلم والشراكة، وذلك لضمان العمل في مؤسسات الدولة وقطع الطريق على أي دعوات للانفصال، ولاسيما بعد الإجراءات الميدانية في الجنوب وإعلان محافظات جنوبية عن رفض تلقي أي أوامر من صنعاء. إلا أن الحوثيين -وفق مراقبين للشأن اليمني- «لعبوا على التناقضات المذهبية في اليمن، على رغم أنهم يشكلون أقلية فيه، إذ بدأت حربهم مع علي عبدالله صالح الذي تحول حليفاً لهم، أو غطاءً لمشروعهم التقسيمي، وهدفه الوحيد من وراء ذلك هو استغلال الصراع الحالي بين الحوثيين وخلفه عبد ربه منصور هادي، بهدف العودة إلى السلطة والانتقام في الوقت ذاته من المبادرة الخليجية الأولى التي تجاوبت مع الشارع اليمني وأبعدت صالح عن السلطة لمصلحة نائبه. لكن، حسب المحللين «وبسبب حالة التفكك التي يعيشها اليمن، وفي غياب أي سلطة فعلية للحكومة المركزية على القرارات السياسية والعسكرية، استمرت الهيمنة الفعلية لعلي عبدالله صالح على الجيش، وعلى الحرس الجمهوري كذلك، من خلال ابنه أحمد الذي كان قائداً للحرس، وهو ما أفسح في المجال أمام مقاتلي الحوثيين للتقدم صوب صنعاء بدون مقاومة تذكر، حتى وصلوا القصر الجمهوري ومقر إقامة الرئيس بعد أن سيطروا على مختلف المؤسسات العامة والمقرات الحكومية». وإمعاناً في الخروج على الشرعية وتحكيم شريعة الغاب عزَّز مسلحو جماعة الحوثي من انتشارهم المسلح حول محيط منزل الرئيس اليمني الشرعي هادي بعدما أخضعوه للإقامة الجبرية في منزله، ورفضوا السماح له بمغادرة العاصمة والتوجه إلى عدن ووجهت بتشديد إجراءات الحراسة على منزله. كما رفض مسلحو جماعة الحوثي رفع حصارهم المفروض على منازل الوزراء الممثلين للجنوب في حكومة الكفاءات لمنعهم من مغادرة العاصمة والتوجه إلى عدنوالمحافظات الجنوبية التي أعلنت العديد منها فك الارتباط مع صنعاء ورفض محافظوها تلقي أي توجيهات أو أوامر إدارية صادرة من السلطة الانقلابية فيها، ثم عاد الحوثيون فواصلوا هجماتهم البربرية من جديد على الرئيس الشرعي بعدما تمكن من الانتقال إلى عدن، بل بلغ الأمر بهم قصف مجمع القصور الرئاسية، في واحد من أعنف الخروقات السياسية والأخلاقية التي خرجت بالمشهد اليمني عن شكل الدولة وحولته إلى حرب عصابات، وبالفعل بدأت وقائع الاحتراب الأهلي، لذا لزم التدخل العسكري من قبل المملكة، قبل اغتيال الرئيس الشرعي والزج باليمن في نفق مظلم لا نهاية معلومة له. وبعدما أنجزت المملكة مهامها بتقويض قوى المليشيات الحوثية والأطراف المتواطئة معها، أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عن تخصيص مبلغ 274 مليون دولار لدعم الأوضاع الإنسانية في اليمن التي ترتبت على قيام ميليشيات الحوثي وأتباعها بالاستيلاء على مقدرات الدولة اليمنية والانقلاب على الشرعية، في مبادرة كانت موضع إشادة الأممالمتحدة، إذ وثمنت بورنيما كاشياب القائمة بأعمال منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، في مؤتمر صحافي عقدته في العاصمة الأردنية عمان، بحضور جين مباكايا نائبة مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أمر خادم الحرمين الشريفين بتغطية تكاليف النداء الإنساني العاجل لليمن.