يبدو أن معركة (ذي قار) التاريخية الشهيرة بين العرب والفرس عادت من جديد، وأن الهزيمة المذلة التي تكبدها أسلافهم بسبب تعاليهم وعنجهيتهم وغطرستهم ها هي طلائع عملائهم الحوثيين في اليمن يتجرعونها مرة أخرى، ويُمرغ العرب أنوفهم في التراب كما مرّغوها أول مرة في ذي قار قبل مئات السنين. هذا ما تبادر إلى ذهني حين أُعلن أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - وافق على البدء بعملية (عاصفة الحزم)، التي فاجأت الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كما فاجأت أسيادهم ومن يأتمر الحوثيون بأمرهم في طهران، وقلبت في ساعات انتصاراتهم المجلجلة في اليمن إلى هزائم مدويّة، وتمددهم إلى انكماش، وتقدمهم نحو عدن ومحافظات الجنوب إلى انتكاسة مروعة، جعلتهم يتلمسون سُبلاً للهروب، والنجاة بأنفسهم من سماء تُمطرهم حِمماً. عملية (عاصفة الحزم) كانت منظومة متفوقة ومتكاملة ومتقنة ومخططاً لها بعناية ودقة متناهية، ليس في الجانب العسكري والاستخباراتي فحسب، وإنما في الجانب السياسي والدبلوماسي أيضاً، وما تتطلبه حروب العصر من حشد ومساندة دولية، واستعداد لأية مفاجآت؛ ما جعل موقف المملكة ومعها دول الخليج العربي، ومن وقف معنا من الدول العربية، يحظى بهذا الدعم العربي والإسلامي والعالمي الواسع، بل منقطع النظير، بالشكل والمضمون الذي جعل ملالي إيران - وهم رأس الأفعى، وأصل الداء، وأعداؤنا الأوائل على الإطلاق - يشعرون بأنهم وحيدون في معركة، لا حول لهم فيها ولا قوة، وأن لا خيار أمامهم إلا تجرع الخيبة والخسران، وهم يرون عملاءهم ومشاريعهم السياسية تنتهي بالفشل الذريع، وأن تلك القوة التي كان قائد حرسهم الثوري يتباهى قبل أسابيع بأنها القوة الضاربة في المنطقة بلا منازع تظهر أمام الشعب الإيراني المخدوع، وأمام عملائهم العرب أيضاً، وكأنها (نمر من ورق)، أو (خيال مآتة) لا يُخيف إلا بُغاث الطير. معركتنا في اليمن ليست مع أشقائنا وجيراننا وشعب اليمن الأصيل والأبي، وإنما هي أولاً وأخيراً مع حُثالة اتخذهم الإيرانيون مخلب قط لهم، وكذلك مع فلول جيش الرئيس المخلوع الذين ساندوهم وتحالفوا معهم في انقلابهم على السلطة الشرعية، فكانت هذه الضربة المحترفة والمعدة بإتقان من جميع جوانبها وخلفياتها ضربة قاسمة وحاسمة، وضعتهم في مأزقٍ جعلهم لا يعرفون كيف يخرجون منه منذ ساعات الضربة الأولى للعملية. ملالي إيران والحرس الثوري الإيراني - كما يقول تاريخهم - أجبن من أن يواجهوا بأنفسهم، وإنما يواجهون بغيرهم، ومن خلال عملائهم، ثم بمجرد ما يرون على أرض الواقع أن تلك المواجهات سترتد عليهم يُضحون أول ما يضحون بعملائهم، ويعيدون تموضعهم من جديد، غير آبهين بعملائهم؛ فأولئك في معاييرهم ليسوا سوى أحجار على رقعة شطرنج؛ فإذا وجدوا أن إحياء حلمهم الإمبراطوري الفارسي يتطلب التضحية بهم فلن يترددوا لوهلة من التضحية بهم. هذا تماماً ما حصل للحوثيين باليمن؛ فإيران التي دفعتهم إلى إثارة الشغب، وشجعتهم على الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب، والتملص مما انتهت إليه مُخرجات الحوار بين الفرقاء في اليمن، وأمدتهم بالمال والسلاح، ها هي تتخلى عنهم وتتركهم في المعركة يتلقون ليس ضربات طائرات التحالف الداعم للشرعية فحسب، وإنما تركتهم يواجهون أغلب أهل اليمن، بعد أن أُسقط في أيديهم، وفشل انقلابهم، مثلما تخلوا قبلهم عن منشقي البحرين الشيعة، عندما دفعوهم لمواجهة السلطة الشرعية هناك، وحين تدخلت قوات درع الجزيرة، وكبحت جماح الثوار، تخلوا عنهم، وتركوهم يواجهون مصيرهم. إنها قصص لا تنتهي من تاريخ الملالي مع عملائهم، وكيف أنهم يرمونهم كما يرمي أي انتهازي أدواته حينما ينتهي منها غرضه. إن عملية (عاصفة الحزم) - في تقديري - أصابت كثيرين في مقتل، وأثبتت أن ملالي إيران لا يهمهم المذهب الشيعي، ولا يكترثون بالشيعة العرب، قدر اهتمامهم بتحقيق حلمهم (الإمبراطورية الفارسية). كما أن هذه العملية مُحكمة الإتقان ستعيد ترتيب أوراق القوى والنفوذ في المنطقة من جديد؛ فالمنطقة قبل 2015 ليست قطعاً هي ذات المنطقة بعد 2015، والغول الإيراني المزعوم والمخيف تحوّل إلى خرافة، لا تختلف عن أية خرافة أو أسطورة خلقها الوهم، وروّج لها الرواة والقُصاص والمستفيدون من ترسيخها في أذهان الشعوب، وبخاصة الحمقى والمغفلون منهم. هذا ما تقوله نتائج (عاصفة الحزم) حتى الآن. إلى اللقاء.