اعتدنا أن نحتفي به، ولكن هذه المرة يحتفي بي وبصديقاتي الرائعات، صديقات الكلمة ودروب الثقافة الجمالية. كانت مساءاته تحرض عبير فكرنا وكلماتنا لتتصاعد، وتتصاعد بحرية في السماء. أشعلت تلك المساءات رغبة حادة لدينا للانطلاق، فتسكعنا بشقاوة في طرقات الرياض التي بدأت لي مترددة وهي تودع الشتاء، نثرنا خصلات شعرنا، وتركناها لأنامل المساء ليداعبها، يرتب فوضاها، وبدأنا رقصاتنا الباذخة لكلماتنا، وحرية كينونتنا الأنثوية العظيمة. في تلك المساءات التي أنصتت إلى أمنياتنا، كانت حنان المسلم، رحيق الشمال تهندم طفلتنا جميعا أسمهان، وهناك نجاة خيري، أغنيات همم الياسمين والتي تنتظر بشغف وقلق توقيع وليدها الأول الخالد (رسائل إلى ولدي)، فاتحة إطلالتها على كون الكلمة، وأنا هناك أحث الخطى لأكون بقربها، ومعها، حاملة حلوى الشكولاته، مكالمات سريعة عاجلة، ترقب، لهفة، الطرق مزدحمة، خطوات الرياض تتجه بهمة إلى الكتاب. وصلت نجاة، ضجت منصة التوقيع ذات السياج الأصفر والقلم الذي انبعث من قلبها، فرحنا بنجاة، وزفيناها عروساً جميلة من ارض الفل حاملة وليدها الأول إلى القراء من الأمهات والآباء، يمر غضبي وأنا أرى نجاة توقع كتابها وتهديه مجانا، فاسمع جوابها: خلي الناس يسعدون ؟ فابتلع غيضي، وابتسم، وتبتسم. وأجد نفسي أنا ونجاة بمفردنا في سيارة أنيقة وبين كلماتنا الباسمة، ومشاريعنا الكبرى نشق طريقنا بين الازدحام نحو فندقها، وتتبعنا خطى الأخريات، ويبدأ مساء ممطر ممتع بحواراتنا وهمنا الثقافي المجتمعي، مساء تساقط مطره برقه من فتحات خشبية أنيقة. ومساء تال، احتفالية أخرى بمن عبرت بي إلى أرض روز فالاند، باريس الفاتنة العظيمة، إنها الصديقة الرقيقة د. حنان عنقاوي، وهي على المنصة رأيتنا جميعا كعقد من ورود نلتف حولها، ولمعت عبارة عندما تدعم المرأة المرأة بينما كانت عيناي تتأمل ورودا يانعة على الطاولة تحاكينا، وطوقنا حنان ببهجة قلوبنا وهي توقع كتابها لقراء كرام التقطوا معها صورا تذكارية. كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء، وخرجنا جميعا من المعرض، اتجهنا إلى بهو آخر، ذاك البهو ممتلئ بذكريات حميمية لي، رأيت نادليه يبتسمون لنا، ونحن نجتاز بوابته الزجاجية نحو بهوه الهادئ، لنرسم لوحة أمسية ثقافية جميلة بمشاركة قامة إبداعية باسقة من وطني، ويطل الصباح من خلف زجاج بوابة الفندق، كان يطل بخجل كصديق ارستقراطي جمالي لا يريد أن يقطع حواراتنا الشفافة، الفلسفية الممتعة ويزداد ضوء الصباح، فنتفرق بحب، وأمنيات لقاء. ومساء ثالث رأيت أنواره على غير العادة، مساء كوني، مسائي ومساءهن، إنه مساء احتفالية للمرأة، المساء الذي يتجاوز أن يكون احتفالية، ولكنه مساء للاحتفاء بكرامة كينونة المرأة،، التقينا حيث اسكن أنا في بهو فندق حميم يعرفني، وها هو يحتفل بي وبهن، وانفتحت بيننا شرفات حوارات جديدة امتد إليها يد الفجر. مساءات ضجت بنا، عدنا بضفائرنا، نسينا من نحن، كنا نكتب نوشوش بعضنا بحكايات صغيرة، رأيت ذلك وأنا أنظر إلى أسمهان الصغيرة، والتي تمسك بيديها الصغيرة قصة، وهي تستلقي بطفولتها، وتدعي أنها تقرأ، ولكنها تراقبنا بفضول طفولي آسر. وأنا أغادر الرياض، التفت وجدت خلفي حقائب أمنيات، وضحكات صديقات من بلدة عبرت بها ذات يوم وعبرت بي يحاولن أن يكملن دروب الضوء التي فتحتها لها ذات يوم، رأيت ورود لي يانعة من ذات عالية لوحت لي بابتسامتها شعرت بيد كيت تلمس كتفي بحنو، ولمحت أسمهان تنظر إلي وهي تقفز، عطرت ذاتي بقطرات من عطر غارق في دفء زجاجة باريسية أنيقة تهادت إلي من قلب شاعر يقتسم معي ضحكات الأطفال وتغاريد عصافير قصائدي، تلك القطرات همست لعشاق يسامرون مساءات مارس في حضرة وهج الفكر. ** ** ** * معرض الكتاب الدولي بالرياض 2015