تتعرض الموصل بالعراق هذه الأيام إلى تدمير شامل لآثار العراق، وإلى النهب والمتاجرة بتاريخ أقدم الدول تاريخاً وحضارة في الشرق الأوسط والعالم القديم، حين كانت الحضارات الأولى تقع على مجاري الأنهر العذبة والبحيرات. والعراق يتمتع بجريان نهر دجلة ونهر الفرات، وهو بوابة العرب لوسط آسيا، وإلى أوروبا عبر تركيا، وشهد أعرق الحضارات الإسلامية عندما كانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية نحو (500) سنة. داعش التنظيم، الذي يدعي أنه وريث الخلافة الإسلامية، بدأ في تدمير المتاحف والآثار الثابتة والمنقولة في الموصل، وهي آثار أصلية ومقلدة مستنسخة وقطع نادرة، ونفذها بطريقة استفزازية، صورت المشاهد وجنود داعش يكسرون بالمعاول والمطارق والحفارات والمناشير الكهربائية، ويدمرون بشيء من الحقد والضغينة والجهل قطعاً فنية وتاريخية، يعود بعضها إلى الفترة الإسلامية وإلى الخلافة العباسية التي تدعي داعش أنها وريثتها. يعد العراق السجل الحضاري لمنطقة الشرق الأوسط، وعرف الحضارات الأولى في العالم القديم، وعاش فترة خصبة حضارياً في مرحلة ما قبل التاريخ، ساعد سجلها في تاريخ الحضارات المجاورة لها في غرب آسيا وفي الحضارات البعيدة في شرق آسيا. وتعود أقدم حضاراته التاريخية بعد التدوين (حضارة سومر) إلى (5000) خمسة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح عليه السلام، الألف السابع والسادس، وهي فترة مختلفة عما عرفه العراق في الفترة الطويلة ما قبل التاريخ، التي أيضاً تختلف من شعب إلى شعب، ومن دولة إلى دولة. ما تم تدميره من آثار يعود إلى حضارات عاشتها العراق، منها: الحضارة السومرية. حضارة اكاد. الأشورية والبابلية. الاخمينية والسلوقية. الفرثية والرومانية. العهد الراشدي الإسلامي والأموي. العباسي والسلجوقي والمغولي. المماليك والعثماني حتى عام 1918م. الانتداب البريطاني حتى عام 1932م. أقاليم الموصل وبغداد والبصرة هي الأقاليم والمدن والحواضر التي مزجت هذه الحضارات لتجعلها ثقافة تعددية، اندرجت تحتها قوميات وديانات وشعوب عدة، أعطتها سمة الحضارة العراقية ذات الهوية الإسلامية والعربية. وبالمقابل، إرهاب داعش يقتلع الآن السجل الحضاري لدولة أسهمت في تعليم الكتابة لشعوب الشرق الأدنى القديم، وأنشأت أقدم الحضارات، وهي بعد الله الجسر الذي عبرت منه قوافل النور الإسلامي إلى آسيا الوسطى وأوروبا والممرات الحضارية في القوقاز وبحر قزوين والبحر الأسود وبلاد الجبال وما بين نهر (سيحون وجيحون) التاريخية، وبلاد ما وراء النهرين جنوبروسيا وشرق أوروبا.. (يتبع).