عزيز علينا فقد الصفوة من الرجال، ولكنَّها الحياة خطُّ في ماء، أو أثر في بيداء ... وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.. الآية. التقيت الشيخ سعد أول ما التقيته في دمشق عام 1410ه حيث كنت أعمل ملحقاً ثقافياً، وهو يعمل مديرا لمكتب الدعوة والإرشاد في عمَّان فكان رحمه الله دائم التردد على سورية ولبنان في مهام الدعوة التي نذر نفسه لها عقوداً من الزمن.. عرفته فعرفت فيه الزهد والتواضع إلى حدٍ لا مثيل له إلا ما قرأناه من سير العلماء والزهاد الأولين. يشف ظاهره عن باطنه، ويتمثل قلبه في لسانه، يكره السفاسف ولا يتدنى إلى الصغائر، لا تسمع له حديثاً في تافه من القول ولا سخيف من الهذر، إن تّدنَّى محدثه رفعه إلى مكانه ومستواه، زاهدا في كلَّ شأن من شؤون الحياة، يستهين بالمنصب والشهرة، يصادق في الله ويدعو لمن خالفه بالهداية وحسن الاستقامة. ويرفض بقوة أن يُمس أحد، أو أن يتم الحديث عن الغير في مجلسه مهما كان مذهب ذلك الآخر أو اتجاهه فالناس عنده إخوة في الدين والإنسانية.. وهو بهذا يمثل الاعتدال والسماحة في منهجه ووسطيته في سلوكه ومعتقده، استأثر بحب الناس فأحبوه وكان قريباً منهم فألفوه وأجلوه، حديثه كان متبسطاً وهادئاً وشفافاً، غايته أن يرى الناس إخوة أخيارا مستقيمين على المنهج والنهج السليم من غير بدع أو ضلالات أو زيغ عن طريق الهدي النبوي. تم هو بعد ذلك مطلع عالم فذ قارئ للسير عالم بالأصول مثقف أديب متابع لما يصدر عن كتب ومقالات وبحوث تمس العقيدة: في العربية والإنجليزية فكه المعشر، كريم اليد عفَّ اللسان يسعى على مساعدة الآخرين. يقوم مع أخيه العالم الجليل الشيخ صالح الحصين رحمه الله بأعمال الخير من بناء للمساجد أو المشاركة في بنائها. كما أنهما يقومان بالصرف على مجموعة كبيرة من الطلاب والدارسين في المعاهد والجامعات في سورية، ولبنان، والأردن، وخاصة من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً بأسكانهم في مبان عدة، وتخصيص مكافآت شهرية لهم، وتفقد أحوالهم.. ولقد علمت أنهما ينفقان الكثير مما يحصلان عليه من الرواتب على هذا العمل الإنساني بكلَّ أريحية ابتغاء مرضاة الله. وما علمت أنهما سعيا لطلب مال أو عرض من أعراض الدنيا.. والشيخ سعد مقتصد في مسكنه ومطعمه وملبسه ووسيلة انتقاله، وله في ذلك ما يعجز القلم عن الحديث عنه. وبعد هذا فهو رحمه الله صاحب قلم وبيان قوي يسمو في لفظه ومعناه، ومن يقرأ مكاتباته مع الشيخ « سفر الحوالي، والدكتور «غازي القصيبي وغيرهم ممن كان يراسلهم يدرك مدى قوته وغزارة علمه وتمكنه من البحث وسداد الرأي... إن ذلك أمر يتطلب الوقوف والبحث أرجو أن يهيئ الله له من يقوم بهذا العمل من طلاب الدراسات العليا فهو معين وكنز يستحق العناية و نشره للناس وطلاب العلم وأن يحفظ لهذا العالم الجليل الزاهد قدره بعد موته إذ كان يبتعد عن مظاهر الشهرة والأضواء الإعلامية ويرفض أن يتحدث أحد عنه أو الإشادة بدوره. ذلك هو سعد الحصين أو أبو طارق كما يحب أن يدعى وذلك لمن يعرفه، وهذا هو شيخنا وفقيدنا الزاهد الورع الذي غاب عنّا، ليطلع ويشرق في أفق البرزخ، حيث ودّع آخر أحبابه قائلاً: إني منتقل وذاهب إلى البرزخ عساي أن أحظى بلقاء الحي الذي لا يموت. فاللَّهم كما قدرت علينا فراق الأحبة فقدر لنا جميل الصبر، وكما سلبت الأحبة من كان وجوده سراجاً مضيئاً فعوضنا فيه خيراً، وأحسن إليه كما أحسن إلى دينه وأمته.