طبيعي جدا أن ندخل مباراتنا الافتتاحية في بطولة كاس اسيا امام الصين بدرجة متواضعة من التفاؤل وطموح محدود وأمل ضعيف في الفوز بالمباراة أو البطولة. وطبيعي أيضا أن يصل مستوى منتخبنا لما وصل إليه من هبوط في المستوى وتراجع في العطاء بدلا من أن يتقدم ويتطور ويستفيد من تجارب ومشاركات البطولات الماضية والاستحقاقات السابقة، وتصبح لدى لاعبيه خبرة الأبطال ومهنية المحترفين في التعامل مع المباريات وبالذات مباريات الحسم والتأهل. إنني أعتقد جازما بل ومتأكد تماما بأن السبب الرئيسي في هذا االتراجع يعود في المقام الأول لثقافة الدعم والمساندة والمتابعة التي يجدها المنتخب ولاعبوه من الوسط الرياضي بكافة منسوبيه من إداريين ومدربين في الأندية وجمهور وصحفيين وكتاب ومحللين في الفضاء (وبالمناسبة فإن النسبة العظمى منهم ليسوا إعلاميين حتى لا تقع مسؤولية الإخفاق على الإعلام لوحده).. وهي ثقافة إن وجدت فينقصها مع الأسف الإخلاص والمصداقية وحسن النية بل يغلفها نظرة دونية وسمة أنانية يقدم فيها حب الأندية واللاعب على حب المنتخب ومصلحته.. وهذا الحب الأعمى والانحياز العجيب الذي نادرا ما يتواجد في بلدان أخرى أفرز بكل تأكيد أجواء غير صحية وأموراً ليست نقية ساهمت في التشويش على عطاء اللاعبين والحد من قدراتهم والتأثير على مستواهم لدرجة أن معظمهم يرى في انضمامه للمنتخب مهمة عصيبة ومرحلة مقلقة يريد التخلص والخروج منها بأسرع حال وبأقل الخسائر وحتى أنه عندما يعود لناديه يتم إعادة تأهيله وإخراجه من الوضع الذي كان عليه. ومما يزيد الطين بلة أنه ليس هناك حماية للاعب من الإعلام ومنظري الفضاء الذين يلتون ويعجنون حسب أهوائهم وميولهم بدون حسيب ورقيب ويتعرضون بالنقد غير البناء والهجوم السافر على لاعب تسبب في هدف أو آخر أضاع فرصة أو ثالث هبط مستواه.. وكأنه لا يوجد في قواميس كرة القدم إضاعة للفرص أو تسبب في الأهداف أو هبوط في المستوى العام للاعب. بل وصل الوضع إلى التدخل في أمور ادارية وفنية تتعلق بالكابتنية وتشكيلة الفريق واختيار لاعبي المنتخب وهي أمور جمعيها كما نعرف من اختصاص المدرب ولا غير. وكل هذه الآراء القاسية والانتقادات اللاذعة يحكمها مع الأسف الميول والعشق المفرط للأندية.. وحتى الهجوم المكثف على المدرب يتم عشوائيا وبدون طرح فني مقنع والنقد يتم لمجرد النقد والمشاركة في ركب المنتقدين! ..وفي ظل هذا الوضع على الساحة الرياضية الذي يسبق ويعقب المباريات والمشاركة في الدورات ونلحظ فيه الهجوم على فلان من جهة والدفاع عنه من جهة أخرى يفقد النقد هيبته وتفقد الآراء قيمتها وفائدتها ونصبح ندور في حلقة مفرغة وفي لعبة شد حبل بين معسكرات تريد الوقوف مع لاعبيها وحمايتهم وبين معسكرات أخرى تريد التأثير على هؤلاء اللاعبين والتقليل من مستواهم وعطائهم كرها في انديتهم وانزعاجا من نجوميتهم والخاسر الأكبر في النهاية منتخب الوطن الذي لن يستطيع المسؤولون ولا المدربون إنجاح مهمته واستعادة توازنه وتطوير مستواه وتأهيله لمستوى يقارع الكبار ويهزمهم ما لم تتوحد الميول وتصدق النوايا وتتكاتف الجهود وتنصب في مصلحة الرياضة السعودية بعيدا عن الأفق الضيق والنظرة المحدودة السائدة حاليا التي هي علة مزمنة وداء مستشر في رياضتنا يصعب معالجته والتخلص منه بدون انتشار الوعي الرياضي والنضوج الفكري الكروي بين الجميع بعيدا عن التفكير في الأندية ولاعبيها وجعل لهم الأولوية في العشق والحب.