سؤال يتردد على شفاه الكثيرين، وبالذات السعوديين كثيرا؛ فحواه: هل تستطيع إيران أن تصمد طويلا أمام تدهور أسعار النفط؟.. ولا سيما وهي تعاني من حصار اقتصادي خانق طوال سنوات، بسبب عدم استكانتها للشروط العالمية، وبالذات الغربية، على مفاعلاتها النووية، خوفا من أن تتجه بها إلى إنتاج السلاح النووي، الذي هو في نهاية المطاف هدفها الحقيقي الذي لن تتزحزح عن تنفيذه. كما أن إيران، حتى حين كانت أسعار برميل النفط تدور حول المائة دولار، صعودا وهبوطا، كان يشتكي الإيرانيون في الداخل من كساد اقتصادي حاد، جعل أسعار السلع والخدمات, والعمله الوطنيه تقفز إلى معدلات قياسية، ليس في مقدور أغلب الإيرانيين التعامل اقتصادياً معها، والسؤال ماذا سيكون وضع الإنسان الإيراني وأسعار النفط تصل إلى الخمسين دولاراً؟ ومرشحة أيضا إلى التدهور أكثر؟.. خاصة وأن دخل الخزينة الإيرانية تعتمد اعتمادا شبه رئيسي على تصدير البترول؟ كل المؤشرات تؤكد أن إيران مقبلة على أزمة اقتصادية حقيقية وكذلك اضطرابات خطيرة، لم يكن المخططون الإيرانيون يحسبون لها حساباً، ولن تجدي هراوات الباسيج أو الحرس الثوري في تقديري نفعا خاصة إذا طالت الأزمة، وتفاقمت أكثر، لذلك فإن ثمة توقعات أن تتكرر المشكلة ذاتها التي حدثت في نهاية السبعينات من القرن الميلادي المنصرم، عندما غصت شوارع وساحات المدن الإيرانية بالمتظاهرين، يطالبون بإسقاط الشاه، تلك الثورة الشهيرة التي (زفت الخميني) إلى عرش الطاووس البهلوي، وهذا غير مستبعد على الإطلاق؛ فالتردي الاقتصادي، خاصة إذا استمر، واتسعت دائرته، ليشمل مجموعات شعبية أكثر، يصبح الثورة الشعبية مثل البركان الذي لا أحد يستطيع مقاومته، ولا الوقوف في وجهه، وتكون النتيجة إما حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، أو تغيير سلمي يأتي بآخرين إلى سدة الحكم؛ وطالما أن نظام الملالي سحق كل المعارضين، وسحق حركاتهم، وتنظيماتهم، فإن الأقرب والمتوقع أن تتحول إيران إلى سوريا ثانية)، حيث سيجد المذهبيون الذين يقاتلون في العراقوسوريا بيئة خصبة -داعش والقاعدة مثلاً-، بل مثالية، لنصرة الطوائف السنية التي كانت مضطهدة، في إيران طوال فترة حكم ملالي الشيعة، كما ستجد المجموعات الإثنية غير الفارسية، وهم كثر، الفرصة سانحة، للاستقلال عن إيران الفارسية، وهو ما حصل تماما في الاتحاد السوفييتي قبل انهياره وتفتته إلى دول، قامت في الغالب على أساس إثني. والسؤال المهم هو: هل بدأت إرهاصات هذه الثورة؟ حسب المعلومات التي لدي فإن الإجابة: هي نعم. تقول الأخبار القادمة من إيران: إن الأسعار بدات فعلا في الارتفاع. فالخبز-مثلا- الذي هو طعام الإيرانيين الأول، ارتفع حتى اللحظة بأكثر من 30 %، والأهم أن سعر صرف العملة الإيرانية انخفضت كذلك، ومن المتوقع عند تفاقم أسعار النفط أكثر، أن تصل إلى معدلات قياسية. ولا يمكن أن يقتنع الإنسان الإيراني، غير المؤدلج، بتفاقم هذه الأسعار، وهو يعلم أن ثروات بلاده يصرفها الملالي لبواعث أيديولوجية، في سورياوالعراق واليمن ولبنان، في حين أنه يتضور جوعا. وطالما أن أسعار النفط في تفاقم مستمر، فليس لدى الملالي إلا خيارين أحلاهما مر. إما مواجهة ثورة عارمة، ستنفجر في أي لحظة، وليس في مقدورهم مواجهتها، أو المرونة في التعامل مع الغرب وتنفيذ شروطهم حيال الملف النووي؛ وهذا يعني عملياً بمعنى آخر التراجع عن مواقفهم المتشنجة والتي من خلالها يطمحون أن تصبح إيران دولة نووية. مشكلة الإنسان المؤدلج كالملالي في إيران، غالبا ما يتصرفون تجاه طموحاتهم بعواطف وليس بعقلانية، ويظل حتى آخر لحظة يعتقد أن (معجزة) إلهية ستنقذه من ورطته، وهو يرى الأمور تتجه به إلى الهاوية؛ وهذا ما جعلنا نقول العقلانية والإيديولوجية ضدان لا يجتمعان عند المؤدلج. إلى اللقاء.