كان الهلال دوماً لدى محبيه، ملاذاً للفرح هرباً من كل هم حياتي أو منغصات يومية. يعرفونه حق المعرفة، فبمقدار حبهم له يبادلهم الحب عشقاً، والإخلاص وفاءً. لا يخذلهم متى انتظروه... ومتى توارى في ليلةٍ ما، فمصير كل ما حجبه عنهم الزوال. ألِفوا تفاصيله، حفظوا ردود أفعاله، أصبحوا معه يتقنون الكهانة بما هو آت، ولم لا؟ أليس برفيقهم الوفي الذي يضع فرحهم نصب عينيه؟ وتلبية أحلامهم (المتفرّدة في التطرف الجميل) هدفاً وغاية؟ هم يعرفونه حق المعرفة... يعرفون أنهم صف واحد، ومن يُرى فيه القدرة على القيادة منهم، فسيتم تقديمه لقيادة جحافل المحبين. قيادة من يمسك بيد رفيقه ليصلا معاً، وليست قيادة من يحرك الجموع لغايات لا تعيها. يعرفون أنه متى وهنت قوى قيادتهم، أو بدأت في المسير في غير طريق المجد، فسيتم سحب هذا القائد المحب إلى مكانه الأساسي بين صفوف المحبين، وتقديم غيره. يعرفون أنهم وحدهم، من يتجرأون على طلب المستحيل من هلالهم ولا يَستنْكِر عليهم مطالبهم. يعرفون ويعرفون ويعرفون.... لأنهم بِضْعات من زعيم، والهلال بِضْعة منهم. ولكن لأن القاعدة تقول: (دوام الحال من المحال)، فقد نست أو تناست قيادة الهلال كل تلك الأساسات التي بني عليها صرحهم الشامخ. فلا الأيدي ترابطت، ولا القلوب توافقت، ولا الأحلام تقاربت. مشهد حزين ذلك الذي يطل به علينا الهلال. تحزبات لا تنتهي، وتسميات دخيلة على النهج الأزرق شملت كل مكونات الكيان. فأعضاء الشرف تفرّقوا بين داعم ومؤثّر وسابق. والجمهور بين ساميين وعاطفيين ومغيبين. والإعلام بين جاهل وصادق وغير بريء. لم يعد الهلال أولوية، ولم تعد الزعامة نهجاً، ولم يعد يُسمع في جنبات البيت الهلالي سوى تنهدات ضيقٍ وزفير حسراتٍ من قلوب لم تعد تعرف ملامح معشوقها. قيادة الهلال تصر وبكل شدة على الخروج من دائرة المحبين، ترى أن لا مكان لها في القلوب، وتحاول رغم ذلك أن تنصّبَ نفسها فوق الرؤوس، وإن كان السبيل لذلك بعثرة أحلام و تشويه الذكريات. لم يعد اسم الهلال هماً، ومكانته هاجساً، والحفاظ على هيبته خطاً أحمر. الكل انتهز فترة الضعف والخمول هذه لينهش من جسد الزعيم. فالتطاول عليه أصبح لغة متداولة، وغدت الإساءة له لحناً يضج مسامع محبيه ليل نهار. بلا ردع، بلا دفاع، بلا حماية. قلتُ ذات مقال أن الهلال يملك إدارة رد فعل فقط، وكم كنت مخطئاً حينها. الهلال يملك إدارة أفعال، آخرها العمل للحفاظ على مجد الهلال. فأهدافهم لا تتوافق بالضرورة مع العشاق، فإن توافقت فهو خير، وإن تناقضت فلا ضير. الهلال يملك إدارة ذات ذاكرة ضعيفة، نست أو تناست أي صرح تقود. الهلال يئن من ظلم ذوي القربى، ولو كان من الداخل سليماً لما تأثر بخربشات الصغار. الهلال يبحث عن جمهوره ليعيده شامخاً على قدميه، ولكن الأسوار والحواجز الحديدية المضروبة حوله، أعيت الأيدي الممدودة عن الوصول. ولكن لأنه الهلال، ولأنه الزعيم، ولأنه الاستثناء لكل قاعدة، ستمر كل هذه الكآبة برحيل مسبباتها، ويصرخ جمهور كبير القوم مجدداً: (دوام الحال .. للهلال). خاتمة... كم بين صبرٍ غدا للذلِّ مجتلباً ... وبين صبرٍ غدا للعز يجتلب - (إبراهيم اليازجي)