تعيش الصحافة المطبوعة خلال العقد الأخير صراعاً محموماً من أجل البقاء في ظل مراهنات متتالية باحتمالية اندثارها وتلاشي تأثيرها على القارئ، وهي افتراضية جدلية أخذت وقتاً طويلاً من المهتمين والمختصين في الشأن الإعلامي والإعلاني. إلا أن صحيفة الجزيرة تجاوزت هذا النقاش وانطلقت في سباق مع الزمن لتفعيل حلول تكنولوجية وتقنية تضمن لها الوجود القوي بل وريادة قطاع الإعلام والإعلان في المملكة، فبعد طرحها لعدد من التقنيات المبتكرة خلال حفلها السنوي العام الماضي، أعلنت هذا العام عن حلول إعلانية أقل ما توصف به أنها إبداعية. شاركت مؤخراً في حفل مؤسسة الجزيرة الذي أقيم تحت شعار «دوماً معاً»، ولأن برنامج الحفل كان عامراً بورش العمل فقد لفت نظري هذا التطور الكبير في تقنيات الإعلان المطبوعة التي كشفت عنها الصحيفة، إذ وقفت كثيراً أمام إعلان الجريدة عن خطتها المقبلة وخاصة «الإعلان برائحة المنتج»، وهو ما يعد نقلة نوعية وعلامة فارقة في مجال التسويق والإعلان، إذ أصبح بإمكان المعلن ربط جمهوره المستهدف برائحة السلعة خاصة العطور والمأكولات وليس فقط الاعتماد على الصورة، وهو ما يزيد من القيمة الإعلانية إذا تمكنا من ربط هوية المنتج بأكثر من حاسة (النظر والشم) لدى المستهلك. إن الديناميكية والتحولات المتسارعة التي تشهدها صحيفة الجزيرة لا بد وأن يقابلها وقفة تأمل للتأكيد على أن تلبية احتياجات القارئ وتطلعاته في ظل هذا التنوع والتعدد في وسائل الإعلام أصبح ضرورة ملحة، وهو ما أكدته الجزيرة من خلال توجهها الواضح نحو تسويق الإعلانات الرقمية من خلال شبكة متخصصة هي (آد ديناميك). كما أن الإعلان عن إطلاق الجزيرة لمنصتين إلكترونيتين جديدتين متخصصتين في السيارات والعقارات يؤكد سعي المؤسسة لأن تكون شبكة إعلامية متكاملة ورائدة محلياً وإقليمياً. لا أخفيكم... أنني سررت كثيراً بتلك اللفتة الاحترافية التي قام بها فريق الجزيرة من إعداد مجلد مصور كامل عن فعاليات الحفل السنوي للعام الماضي ووضع صورة كل ضيف على غلاف هذا المجلد، إذ إننا أمام جهد عظيم يستغرق وقتاً كبيراً للإعداد والتنظيم، وزاد فريق التنظيم هذا النجاح بتقديم عدد تذكاري من أعداد الجزيرة يصادف يوم ميلاد كل ضيف. تلك الأعمال لا شك أنها خلّفت في نفوس المشاركين بالحفل انطباعات إيجابية لا يمكن إغفالها. أن تأخذ صحيفة الجزيرة زمام المبادرة وتنظم حفلاً سنوياً احترافياً بامتياز في العام الماضي تدعو فيه شركاءها وتطلعهم على آخر ما وصلت إليه تكنولوجيا الإعلام والإعلان، ثم تباغتهم بتنظيم حفل أكثر احترافية هذا العام عندها فقط يتجلى التميز الإداري والمهني في أوضح صوره. العطاء والمبادرة سمتان لم تخلو منهما صفحات التاريخ العربي والإسلامي، ولكن أن تكون مضرب المثل في العطاء والتميز في المبادرة فهذا سيبقى علامة مسجلة باسم مؤسسة الجزيرة في قادم السنوات والأعوام، هذا ما يمكن أن أقوله إجمالاً عن هذا التميز الكبير لصحيفة الجزيرة في مبادرتها الرائدة وحفلها السنوي لهذا العام الذي سعدت كثيراً بالمشاركة فيه. تجربتي مع تلك المبادرة التي تسر خاطرنا نحن الإعلاميين ومسؤولي العلاقات العامة، أن برزت إحدى تجاربنا المحلية لتكون واحدة من أهم المبادرات الصحفية في المنطقة، وتحوز هذا الزخم وذاك الحضور القوي في الأوساط الإعلامية والثقافية بل والشعبية. لقد سررت كثيراً لما رأيته من خبرات وطنية شابة من أبناء وبنات مؤسسة الجزيرة أخذت على عاتقها تنظيم هذا الحفل السنوي باحترافية منقطعة النظير، فلم ألحظ أو أرصد أي انطباع سلبي لدى من حضروا هذا التجمع، إذ إنك في حضرة مؤسسة الجزيرة ستشعر أنك ضيف الشرف الوحيد لهذا المحفل، مرحب بك من الكل، الابتسامات تحوط بك من الجميع، الأريحية الطاغية ستجدها حاضرة بقوة، والمهنية في العمل هي الأساس في استضافتك. كواحد من المختصين بالشؤون الإعلامية والعلاقات العامة أغبط كثيراً صحيفة الجزيرة على ما قدمته من درس مهني وعملي لكل من يرغب في التميز، بل ويتجاوز مرحلة التميز إلى الإبداع والابتكار فيما يقدمه. نجحت مؤسسة الجزيرة من خلال هذا الحفل في إقامة تظاهرة إعلامية ثقافية جمعت كتابها ومسؤوليها ومسؤولي العلاقات العامة وأصحاب القرارات الإعلانية في كبرى شركات المنطقة. وأخذت الصحيفة تغرد خارج السرب باطلاع شركائها على خططها التسويقية وما ستقدمه لعملائها من تقنيات حديثة في مجال الطباعة والإعلان، وهو ما يشير إلى مدى إدراك مسؤوليها لأهمية الشراكة بين المعلن والوسيلة الإعلانية التي اختار أن يصل لجمهوره من خلالها. لفتة أكثر من رائعة أخرى تضاف لسجل تلك المؤسسة الرائعة في حفلها السنوي الثاني وهو احتضانها واستضافتها لكتّاب الرأي في صحف أخرى خارج إطارها التنظيمي، وهو ما يؤكد مكانتها والقيمة الثقافية التي تمثلها صحيفة بحجم الجزيرة للمثقف والقارئ السعودي، وأضافت الصحيفة بعداً آخر لتلك التظاهرة الإعلامية باستضافتها لعدد من نجوم المجتمع السعودي كفنان العرب محمد عبده وغيره. حقيقة... خرجت الصحيفة في هذا الحفل عن الصورة التقليدية للحفل السنوي للمؤسسات الإعلامية وغيرها، فلم تكن المشاركة في فعاليات الحفل مجرد أمسية احتفالية ليلية يتبادل فيها المشاركون المجاملات العابرة دون إفادة أو استفادة، وإنما كانت أربعة أيام حافلة بورش العمل والمناقشات الإعلامية والإعلانية التي بلا شك مثّلت تظاهرة إعلامية وإضافة نوعية للصحيفة ولممثلي الشركات والمعلنين. إذ وضعت الصحيفة أمام المعلن كافة الأرقام والبيانات التي تمكنه من اتخاذ قراره الإعلاني بمنتهى المهنية والدقة، وقدمت له وجبة تقنية حديثة تواكب التطور التكنولوجي الكبير في مجال الإعلان والإعلام. لا شك أن هذا التميّز يقوده فكر إداري مهني عالي المستوى بقيادة الخلوقين الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة والأستاذ عبداللطيف العتيق مديرها العام، وأسهمت في تحقيقه عقول نخبة من أبناء وبنات هذا الوطن. ضربت الجزيرة بمسؤوليها ومنسوبيها وفريق العلاقات العامة بها أروع الأمثلة، وقدمت درساً مهنياً في كيفية إقامة ملتقى سنوي مفيد ومثرٍ وغير تقليدي. ومن المؤكد أن هذا النجاح سيتبعه نجاحات قادمة بإذن الله نحو الابتكار والإبداع في عالم التسويق والإعلان. وفي الختام أسأله تعالى لهذا الكيان الإعلامي مزيداً من الرقي والنجاح ودوام الريادة والتميّز.