مرحلة خطيرة جداً؛ تستوجب أن نقف معها وقفة طويلة، نعالج من خلالها أوجه الخلل التي كانت سبباً في وصولنا إليه. ولعل متابعتنا بشغف منقطع النظير للمنافسات الرياضية في الدول الأوروبية كوَّنت لدينا تصوراً عما يجب أن يتفق الكثيرون من متابعي الكرة السعودية على أننا نمر به من مستوى. لا أخفيكم سراً بأن نظرتي للرياضة السعودية تغيرت كثيراً مع سفري للولايات المتحدةالأمريكية، ودراستي لما وصلت إليه رياضتنا لتحاكي ذلك التقدم. للإدارة الرياضية هناك دور. ومن هذا المنطلق سأبدأ بتحديد السلبيات التي نعاني منها محلياً، ومن ثم سأتطرق للحلول المناسبة للتطوير. الإدارة الرياضية هناك تختلف اختلافاً كلياً عن الإدارة الرياضية في المملكة. ولعل أبرز الأسباب التي يتفق الكثيرون على أنها السبب الأول لهذا الانحدار هو غياب التخطيط العلمي عن الرياضة المحلية، وتحديداً في مجال كرة القدم. وكذلك عدم وجود استراتيجية طويلة المدى، نحقق من خلالها أهدافنا المرجوة. مع الأسف الشديد، فإننا دائماً نضع أهدافاً قصيرة المدى؛ بمعنى أننا نضع من البطولة المقبلة هدفاً لنا, ولا نفكر بما بعد البطولة. هذا السبب بالذات جعلنا نخسر الكثير من البطولات والمنافسات, وأضعفنا على المستوى الآسيوي؛ فبعد أن كنا في صدارة منتخباتها أصبحنا خارج الحسابات. فنحن ندار حالياً بخبرات سابقة، سواء كانوا لاعبين أو إعلاميين أو أكاديميين، ولكن ليسوا متخصصين في المجال الرياضي. ولهذا السبب نجد أن الاتحاد السعودي لكرة القدم قد أرسل مجموعة من الشباب السعودي لدراسة الماجستير. والسبب الآخر هو عدم وجود الكفاءات المعدة أكاديمياً للإشراف الإداري على منافساتنا الرياضية في الكثير من التخصصات، كالإدارة والإحصاء. وهذا إن دل فهو يدل على مدى تفهم الاتحاد السعودي لحاجته لهذه الكفاءات؛ فالرياضة اليوم أصبحت مشروعاً متكاملاً, وليست مجرد ترفيه. من هذه النقطة نستنتج سبباً مهماً جداً، هو الفكر, سواء فكر الإداريين أو اللاعبين أو الإعلاميين.. والجمهور أيضاً. فالفكر الرياضي الصحيح مع الأسف شبه معدوم بيننا. ولعلي أعرِّف الفكر الرياضي بأنه: التفكير بشكل كامل في مصلحة المنظمة الرياضية العامة، والتركيز على تطويرها, ومن ثم التركيز على المنظمات الخاصة ومصلحتها، المتمثلة في الأندية والمنتسبين إليها، خاصة اللاعبين. ولعلنا نتابع ما يحدث من هجمات مستمرة بين منسوبي الأندية من إداريين وإعلاميين وجمهور. لنكن صريحين هنا: الكثير -مع الأسف- يفكر فقط بمصلحة فريقه، بغض النظر عن مصلحة الرياضة بشكل عام, وإثبات أن فريقه هو الأفضل. هذا الفكر قادنا لأن نخسر انتماءنا لشعارنا الأخضر. من هنا نصل لنقطة حساسة جداً، هي دور الإعلام الرياضي المضلل -بكل أسف- والموجِّه الأول للتعصب، الذي قاد لأن نتمسك بشعارات الأندية. وتلك حقيقة مرة، لا يستطيع أن ينكرها أحد. يجب أن ندرك مدى أهميتها. فليس من المعقول أن تصبح برامجنا الرياضية مرتعاً رحباً للتعصب وقادة الفكر الرياضي الضال, على الرغم من أن أغلب الجمهور هو من فئة الشباب, وهذه الفئة تعشق الرياضة بشكل جنوني؛ ما يجعلهم متابعين دائمين لكل ما يطرح في وسائل الإعلام المختلفة. ومن هذا المنطلق يجب أن يعاد صياغة الخطاب الإعلامي؛ ليكون بالصورة المطلوبة التي تخدم التطوير الرياضي. نأتي الآن لنقطتين مهمتين، أحببت أن أذكرهما منفصلتين؛ كونهما الحلقتين الأقوى من حلقات سلسلة السقوط. وأكرر: يجب أن تتم عملية «فلترة», لا هدم. ألا وهما (احتراف اللاعب السعودي, الاستثمار الرياضي). فاللاعب السعودي مر بمراحل مختلفة بدءاً من تأسيس الرياضة السعودية وبدايتها, مروراً بمرحلة تحقيق الإنجازات, وبعدها مرحلة الاحتراف, التي أستطيع أن أسميها بالمرحلة الانتقالية في رياضتنا؛ إذ إن هذه المرحلة بالذات سببت اختلالاً في توازن الرياضة واللاعب تحديداً, بدءاً بانتقاله من مرحلة الهواية لمرحلة الاحتراف، أي أن عمله ومستقبله سيكونان مرتبطين بالكرة. مع الأسف الشديد، إن هذه المرحلة بدأت بدون تخطيط كامل مسبق. وأقصد هنا أن اللاعب انتقل من مرحلة لأخرى بدون أن يدرك حقيقة هذا التحول. فتفكير اللاعب السعودي الاحترافي يقتصر على الجانب المادي فقط، دون الجوانب الأخرى. وهذه الحقيقة أثرت بشكل كامل على اللاعبين؛ لأن أهدافهم اختلفت تماماً. فهدف اللاعب الآن أن يقدم أفضل مستوى؛ لكي يقبض أكبر مبلغ ممكن, ومن بعدها «ينام في العسل» إلى أن يقترب عقده من نهايته فينهض من جديد. وما نراه الآن من تراجع مستويات نجومنا الكروية بسبب ذلك. واسألوا المدربين الأجانب الذين حضروا هنا، وكيف كانت معاناتهم تبدأ مع جدول اللاعب اليومي، وطريقة تغذيته. أيضاً انظروا كيف حلت الصدمة باللاعبين عندما فُرض عليهم التمرين الصباحي، والهروب المستمر من تأديته، ممن نسميهم نجوماً. وهذا جعلنا ندرك تلك الحقائق, من إهمالهم لأجسامهم، ونقبل البعض منهم. ولعلنا نرى الأندية كيف بدأت في عملية إعداد لاعبيها؛ ليكونوا على مستوى عالمي. والفشل مرتبط بمدى الإدراك والوعي بهذه النقطة ومدى جهلهم بأهميتها وعدم إدراكهم للهدف الحقيقي منها. الإعداد هو اللبنة الأساسية للنجاح, ومن دونه سيستمر السقوط، والوصول لمرحلة لا تُحمد عقباها. الاستثمار الرياضي بات الآن هو المتطلب الأول للأندية الرياضية؛ لكونها أصبحت مثقلة بالأعباء المالية الكبيرة. والمقصود بالخصخصة باختصار أن تصبح الأندية شركات ذات أسهم مالية، تُدار من قِبل مستثمرين داعمين وقادرين. فقيمة الرياضة عندنا ارتفعت، ووصلت لمرحلة أن تنادي الأندية بالخصخصة الكاملة. هذه المرحلة باتت قريبة التطبيق؛ وذلك لكون الاتحاد الآسيوي قد فرض على الاتحادات الأهلية التابعة له توفير الإمكانات المادية اللازمة لإدارة النادي، بأن تطبق الخصخصة الكاملة على جميع أنديتها؛ لتكون عضواً مشاركاً في بطولاتها. هذه الخطوة إن تمت ستحدث الفارق الكبير في رياضتنا, وسنخرج من عباءة أعضاء الشرف، وندخل في مرحلة القيمة المالية لشعار النادي. ولعل المتابع لما تقدمه الشركات في الوقت الحالي من دعم لرعاية الأندية يدرك مدى الفرق الذي حدث. طبعاً لا أنسى الإشارة إلى أن الاتحاد السعودي بحاجة إلى أن يجد مداخيل للأندية من السبل المتاحة كافة. فكيف إذا كان النادي نفسه شركة تدير نفسها بنفسها، وبأدوات استثمارية جبارة؟ ومراعاة النقل التلفزيوني ورعايات الشركات. وأنا شخصياً مطلع على العمل الجبار الذي يحصل حالياً في رابطة دوري المحترفين والرئاسة العامة. هناك مساعدة من خطط ورؤى مستقبلية بشأنها أن تحدث التغيير الجبار الذي نتطلع له جميعاً نحن المتابعين وعشاق الرياضة من رعاية الشباب بقيادة ربانها الأمير عبدالله بن مساعد. في النهاية أتمنى أن نحاول نحن الجمهور أن نبدأ بتغيير أنفسنا أولاً, وأن نبتعد عن التعصب المقيت الذي لم ولن يفيدنا بشيء سوى العودة للخلف. ومتى ما بدأنا بالتفكير في المصلحة العامة للرياضة, واتحدنا جميعاً على الوصول لهدف واحد, وقتها ستتطور رياضتنا، وتصل إلى رحاب ما نصبو إليه. فنحن الأساس، ونحن المحركون لهذه النهضة الكبيرة, وبإذن الله ستعود كرتنا متصدرة لقارة آسيا ومنافسة على الصعيد العالمي. فاليابان وكوريا الجنوبية ليستا أفضل منا بشيء سوى بالتخطيط والفكر الراقي.. ونحن -بإذن الله- قادرون عليهما جميعاً.