المتتبع لبداية نشأة الأنظمة بالمملكة العربية السعودية يلحظ أنها استفادت من نتاج تنظيمات سابقة كان لها الريادة في ذلك الوقت، ولم يكن استقاء تلك الأنظمة مجرداً من الدراسة والتمحيص لتتوافق مع البيئة الإدارية السعودية، كما لم تقف تلك الانظمة عند ذلك الحد بل أخذت في البناء والتطور بالتزامن مع ما شهدته المملكة على مدى السنوات الماضية من نمو متسارع في شتى المجالات، حتى وصلت إلى ما نشهده اليوم من قفزات تنموية شاملة في مختلف المستويات والمجالات على رأسها التنمية الإدارية باعتبارها الأداة المحركة لتلك التنمية. ولأن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية في تلك التنمية، فقد كان من الأهمية بمكان العمل على تطوير انظمة الموارد البشرية باعتبار أنها الاساس والمنطلق لتطوير أساليب الأداء الكلي لأجهزة الدولة، قامت وزارة الخدمة المدنية وفي إطار خطتها الاستراتيجية التطويرية بمراجعة شاملة للأنظمة المتعلقة بالوظيفة العامة وما يرتبط بها بدءًا بنظام الخدمة المدنية ونظام مجلس الخدمة المدنية لتتواكب مع المرحلة القادمة في تعزيز تحسين الأداء، وبما يحقق المواءمة بين حقوق الموظف وواجباته الوظيفية، ومن ذلك بناء وتطوير الادوات النظامية والتنظيمية وتطوير آليات اختيار أفضل القوى العاملة الوطنية المتاحة في سوق العمل بما يحقق مبدأ الجدارة في شغل الوظائف العامة، وبدأت بتطبيق الاختبارات المهنية على المتقدمين لشغل الوظائف العامة على مراحل لتشمل جميع الخريجين الجامعيين وأوجدت ضمن هيكلها التنظيمي إدارة عامة تختص بعملية التقويم وتحديد المعايير التي يمكن في ضوئها تقديم أفضل الكفاءات لأجهزة الدولة المختلفة على نحو علمي وبمعايير تتفق مع أفضل الممارسات العالمية، حيث إن من الأهمية ايجاد مقاييس تحدد الاجدر لشغل الوظيفة العامة، في ظل تنوع في التخصصات العلمية سواء على مستوى الجامعات الداخلية أوالخارجية، وارتفاع متطلبات شغل الوظائف وزيادة أعداد طالبي العمل للوظائف الحكومية، وبالتزامن مع ذلك صدرت العديد من التنظيمات المتوجة بأوامر سامية والتي تصب في هذا الجانب، والتي كان نتاجها مزيداً من التأصيل للجدارة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في شغل الوظائف العامة، ومن ذلك قرار مجلس الخدمة المدنية الصادر عام 1434ه القاضي بتنظيم شغل الوظائف المستثناة بالرغم من محدوديتها بحيث يتم الترشيح عليها من قوائم المسجلين ببرنامج التوظيف «جدارة» بوزارة الخدمة المدنية، وكذا قرار مجلس الخدمة المدنية الصادر عام 1435ه القاضي بتعديل إحدى المواد النظامية بلائحة المستخدمين بحيث يكون الاعلان عن الوظائف المشمولة بتلك اللائحة عن طريق وزارة الخدمة المدنية ويخضع جميع المتقدمين لشغل تلك الوظائف لتقييم تحدده الوزارة مقاييسه واجراءاته، وكذلك المعالجة الشاملة التي تمت للجوانب التي يتم من خلالها شغل الوظيفة العامة بأجهزة الدولة الأخرى التي تملك صلاحية شغل وظائفها، حيث صدرت موافقة مجلس الوزراء بتاريخ 10-1-1436ه على أن تقوم جميع المؤسسات والهيئات العامة والصاديق ذات اللوائح الخاصة وعموم الجهات الحكومية التي لديها بنود للتوظيف بوضع أسس ومعايير لشغل وظائفها ويتم الاختيار على أساسها بما يحقق مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس بين المتقدمين، وعلى أن تلتزم بالإعلان عن هذه الوظائف في مواقعها الإلكترونية، وفي موقع وزارة الخدمة المدنية، وفي صحيفتين أو أكثر من الصحف المحلية يوضح من خلالها الوظائف وما يتعلق بها من شروط ومزايا مالية وعن تلك الأسس والمعايير وذلك إلى حين تطبيق البوابة الوطنية للتوظيف، وتكليف مجلس الخدمة المدنية بوضع الآلية لمتابعة ذلك. ولأن للتقنية دورًا فعالاً نحو الدفع بالالتزام بما صدر من تنظيمات وتحقيق مستويات متقدمة من الشفافية والنزاهة اتخذت وزارة الخدمة المدنية من تقنية المعلومات خياراً استراتيجياً لتطوير أعمالها بما يتوافق مع التوجهات العالمية في الاستثمار في التقنية كأحد المحاور الرئيسة في الاصلاح الإداري والتنمية الإدارية، وأطلقت عدداً من المنظومات الآلية المتعلقة بهذا الشأن كمنظومتي التوظيف «جدارة»، و»ساعد»، كما أطلقت الوزارة الجدولة الزمنية للإعلانات الوظيفية للعام الحالي 1436ه. ولاشك أن تلك الأدوات النظامية والبرامج الآلية تشكل مجتمعة منظومة متكاملة لعموم أجهزة الدولة للعمل وفق أسس ومعايير تحقق مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس بين المتقدمين لشغل الوظيفة العامة، وخلق بيئة توظيفية شاملة تحقق الاستفادة المثلى للكوادر البشرية الوطنية بشكل فعال وعادل في التوظيف وبمعايير منظمة في الاختيار بين المتقدمين حتى يتم اختيار أفضل الكفاءات المتميزة للقطاع الحكومي التي تسهم في النهضة التنموية الشاملة، والتي كان لتأصيل العدالة والمساواة جانب أساس فيها وهو النهج الذي تحقق في هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله وانعكس أثره على ما نشهده من منجزات على أرض الواقع، وسيمتد أثره بإذن الله في قادم الأيام على ما يقدم من خدمات ميسرة ومتكاملة للمواطنين.