إنه من المعقول أن تجد إنساناً يحب جماداً كمنزلٍ أو سيارة أو أرض ونحو ذلك، ولكن هل سمعت بأنّ جماداً يحب إنساناً؟ هذا ما حدث مع نبينا صلى الله عليه وسلم وجبلِ أُحد، يقول سيدنا علي رضي الله عنه: بعد غزوة أحد عَزفَ كثير من الصحابة عن الذهاب إلى جبلِ أُحد لأنه استشهد في سفحه وسهله سبعون من خيار الصحابة، وفي يومٍ من الأيام ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلِ أُحد فوقف عليه وصلى على شهداء أُحد وكان معه بعض من الصحابة، وبينما نحن على جبل أُحد إذا به يهتز والرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم، ويرفع قدمه الطاهرة ويضرب بها على جبل أُحد ويقول: اثبت. إنّ السر هنا يكمُن في أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُثني على جبلِ أُحد ويمدحه وهو جماد، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن جبل أُحد: (إني أحبه وهو يحبني)، فلذلك بادل جبل أُحد النبي صلى الله عليه وسلم الحب. وعندما نقرأ في سيرة قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم كيف كان أسلوبه مع زوجاته، نجد بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ينادي زوجته عائشة ب(عائش) من باب التدليل والتدليع لها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقِّب خالد بن الوليد ب(سيف الله المسلول) لأنه متقنٌ لعمله في الجهاد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على الطعام حتى وإن كان خلاً فيقول: (نِعمَ الإيدام الخل). إنّ الثناء على الأشخاص يُعد من مقوّمات النجاح، لذلك فقد قال عمر بن الخطاب في خطبته المشهورة بعد توليه الخلافة: (فمن يحسن نزده). والثناء يحتاج إلى سياسة فنية متقنة يتعامل بها الفرد مع الناس لكي يكسب محبتهم واحترامهم، لأنّ الإنسان بطبعه لديه مشاعر وأحاسيس، ويحتاج إلى عبارات تشجيعية (معنوية) يتخللها الشكر والمديح لكي تبتهج نفسه، وبالتالي يقدم لنا أفضل ما لديه مستقبلاً. فإذا كان الثناء على عامة الناس مطلباً مهماً، فما بالُكَ بمن هم قريبين منك كالزوجة والأبناء والأصدقاء. وعندما نتأمّل في حال معظم الزوجات في مجتمعنا نجد بأنهن يحرصن على أن يظهرن بأفضل صورة في أَعيُن أزواجهن، من انتقاء أذوق الألباس، ووضع الميك أب على الوجه، وتغيير تسريحة الشعر، وعمليات تجميل وتنحيف، واهتمام براحة زوجها، والحرص على نظافة المنزل، وتنويع في الطبخ .. وما إلى ذلك من أفعالٍ حسنة. وفي الجانب المقابل نجد بأنّ بعض الأزواج لا يلقون بالاً لما تظهره زوجاتهم، إما لأنّ طبائعهم قاسية في التعامل مع الآخرين منذ صغر سنهم فلم يحاولوا تغييرها عند كبرهم (وهذا طبعٌ سيئ)، أو لأنهم يكتمون ذلك في قلوبهم ظناً منهم بأنّ زوجاتهم قد يغتررن بذلك (وهو ظنٌ خاطئ!). فمن عواقب إهمال الثناء على الزوجة: (جرح مشاعرها المتعطشة للكلام المعسول، التأثير السلبي على العامل النفسي لديها مما قد يؤثر على تصرفاتها معه، البحث عن شخص آخر يبادلها المشاعر عوضاً عن زوجها عديم المشاعر، تحول اهتمامها بمظهرها إلى إهمال، ضعف ثقتها بنفسها كزوجة مثالية، ارتفاع نسبة الغيرة لديها من صديقاتٍ يتحدثن عن ثناء أزواجهن لهُن). ومن فوائد الثناء على الزوجة: (فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويزيد من إنتاجيتها وحيويتها ونجاحها سواءً في المنزل أو العمل، ويحول نقاط ضعفها إلى نقاط قوة، ويكسب الزوج احترام وحب زوجته، ويقوي الترابط والتواصل بين الزوج وزوجته). ولكي يؤتي الثناء على الزوجة نتائج إيجابية، يجب أن يُراعي الزوج أُسس استخدام الثناء، ومنها: أولاً: الثناء على الزوجة بما هو فيها: فعندما تكون الزوجة لغتها الإنجليزية ضعيفة، ويأتي زوجها بعد رجوعهم إلى الوطن من الخارج، ويمدح لغتها الإنجليزية أمام أهله، ستأخذ زوجته مدحه وثناءه محل الاستهزاء والسخرية، لكن عندما يمدحها بصفات توجد فيها مثل: إجادتها في حُسنِ اللباس، وذوقها الرائع في اختيار العطور، فإنها ستتقبل المدح والثناء بصدرٍ رحب وتستحسنه. فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه يُفضِل زهير بن أبي سلمى وهو أحد كبار شعراء العصر الجاهلي، وذلك لأنه كان يمدح الرجل بما هو فيه. ثانياً: الاعتدال في الثناء على الزوجة: مطلبٌ وضرورة، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الأمور أوسطها)، لأنّ المبالغة في المديح والثناء ستخرجه عن إطار الصدق، وتفقده مضمونه، وبالتالي ينعدم تأثيره فلا يحقق المُبتغى. وأخيراً.. أُنَبِّه هنا بأنه من الخطأ أن تنتظر عبارات الثناء والمديح من الآخرين، لأنك قد تجد أشخاصاً لن تجد (للثناء) مكاناً في قاموس عقولهم، فينبغي عليك هنا أن تحفز نفسك بطريقتك تحفيزاً ذاتياً، مثل : أنا ناجح، أنا متميز .. الخ. حكمة .. لا تطعن في ذوق زوجتك، فقد اختارتك أولاً.