تتعدد المناهج النقدية وتتنوع من حيث علاقتها بالمنجز الفني أو بالبيئة المحيطة به والسياق التاريخي والاجتماعي له أو بالإطار العام للعملية الإبداعية ككل، وبالنظر فيما يقدم على مستوى الساحة التشكيلية العربية أو المحلية من قراءات نقدية نجد الاهتمام ينحصر تقريباً فيما حول المنجز بشكل عام وإذا كان هناك شيء من القراءات الموجهة للمنجز فتقدم بشكل انطباعي وشخصي ويبتعد عن العلمية والمنطقية، ففي دراسة ماجستير للأستاذ طارق قزاز حول طبيعة النقد المعاصر في الصحافة السعودية حصر وحلل فيها ما قدمت الصحافة السعودية في عام 1420ه من أخبار تشكيلية وحوارات وتحقيقات ومقاربات وقضايا وتحليل ونقد وتعليق وكانت الأخبار أكبر النسب حضوراً في هذه الدراسة حيث بلغت 27% مما قدم في الصحافة السعودية وأما النقد فلم يتجاوز 12% من عينة الدراسة وكان النقد الانطباعي الأكثر حضوراً فيما يتعلق بقيام النقاد في الصحافة السعودية باتباع طريقة نقدية محددة حيث بلغت نسبته 40% من ستة طرق نقدية مستخدمة، ولم يبتعد النقد الفني العربي كثيراً عما يمارس في الساحة التشكيلية السعودية فعلى سبيل المثال توصلت أبحاث عدد من طلبة الدارسات العليا في كلية الفنون الجميلة ببغداد عن النقد الفني في العراق عام 1993م توصلت إلى أن النقد الفني طوال أربعين سنة لم يتجاوز العرض العام والتاريخي والعرض الخارجي والانطباعات الشخصية والإنشاء اللغوي والتكرار... وهي مرحلة مر بها المنجز الفني على المستوى العالمي من تعاطي المقاربات النقدية مع الظروف المحيطة بالعمل في مقابل ضعف الاهتمام بالعمل ذاته وتحليله وتقديم قراءة علمية مستفيضة له، الذي أدى إلى ظهور كثير من الدراسات الفنية والنقدية التي تهتم بالأعمال ذاتها والمنجز قبل كل شيء ومنها منهج شرح النصوص والتحليل الشكلي والنقد البنيوي والسيمائية والتداوليات والتلقي... وغيرها من المناهج النقدية التي اهتمت بالمنجز الفني والأدبي وتحليله. ومن المناهج النقدية التي اهتمت بالمنجز الإبداعي ذاته بمعزل عمن أنجزه وعن الظروف المحيطة والسياق التاريخي له يأتي المنهج السيمائي والذي يبحث في النصوص وعنها وداخلها وفي بناها الداخلية بعمليات تحليل وتركيب وتحديد للبنيات العميقة التي تجمع وحدة النصوص، دون الاهتمام بمن أبدع النص ولا سيرته الذاتية بقدر ما يهتم بشكل المضمون فالسيمائية (دراسة شكلانية للمضمون تمر عبر الشكل لمسألة الدوال من أجل تحقيق معرفة دقيقة بالمعنى) وهي مضمونية الهدف، والسيمولوجيا هي علم الدلالات أو العلامات و(هناك من يميز بين السيميولوجيا بوصفها «نظرية العلامات ذات المضامين الدلالية» وبين السيميائية بوصفها «النظرية العامة للعلامات والرموز») والسيميائيات بشكل عام تهتم بدراسة الدلالات وأنساقها بشتى أشكالها اللفظية أو البصرية والصورية، وهي تهتم بجعل العلوم الإنسانية تنتقل من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة... يتبع العدد القادم.