يا الله عسى مِدّ المعيّة بربعين والتمر توحي له ثلاثين طاري حدَّثني قبل سنوات أبو زياد الشاعر الأستاذ عبد الرحمن الهقاص - رحمه الله - قال: كان المرحوم علي العثمان البقمي (توفي قبل ما يقارب الثمانين عاماً)، شاعراً مطبوعاً، له شعر جيد لكنه ضاع ولم يُحفظ للأسف.. وكان -رحمه الله- فقيراً جداً كمعظم الناس في نجد في ذلك الوقت، وكان يعمل في الزراعة وهي مجال العمل شبه الوحيد آنذاك. وفي فترة من الفترات كان يعمل في متح الماء من البئر (يسني) في مزرعة إبراهيم المنصور الزامل في حايط مليحان الشمالي في عنيزة، ومن عادة أهل المزرعة أنهم يمنحونه كل عام نخلة (شقرا) من أجود نخيل المزرعة تقديراً لجهوده، وتعبيراً عن شكرهم له، وربما كانت جزءاً من بنود عقد العمل بينهم، وكان ل(الشقرا) في الماضي صيت وسمعة، فقد كانت مفضلة بدرجة عالية عند أهل البلد.. وفي أحد الأعوام، ارتفع سعر التمر وكثُر الطلب عليه، فكان أن باع أصحاب المزرعة ثمرة كل النخيل الجيد الموجود فيها، ونسوا نخلة عامل (السني) المعتادة الشقرا، وأعطوه بدلا منها نخلة (دقلة) تقع فوق المنحات قرب القليب، وهذا سوء مكان يُضاف إلى سوء النوع!.. فحزّ ذلك في خاطره - رحمه الله -، فقال يدعو على مزرعة مليحان الشمالي: يا الله عسى مِدّ المعيّة بربعين والتمر توحي له ثلاثين طاري خْيار شقرا بالشمالي بقرشين يحدّه البايع ولا احدٍ بشاري وال (مِدّ) بكسر الميم: مكيال معروف.. والمُعَيّة: نوع من أجود أنواع الحنطة (القمح).. بربعين: قال أبو زياد: الربع، المقصود به ربع قطعة، والقطعة عملة تركية كانت متداولة في نجد حتى منتصف القرن الثالث عشر الهجري تقريباً، وتوقف العمل بها بعد اعتماد الريال العربي في عهد الملك عبد العزيز عام 1356ه، والقطعة أكبر من التفليسية ودون الروبية، والروبية أقل من الريال الفرنسي.. والشمالي يقصد به المزرعة (مليحان الشمالي). بقرشين: والمقصود بها (بدزرشين) بالقاف النجدية المعطّشة، والقرش غير الدزرش، فالقرش جزء من عشرين جزءاً من الريال، و(الدزرش) يعادل ثلث الريال، أي سبعة قروش تقريباً. قال هذين البيتين يدعو على المزرعة بالكساد، معبراً عن سخطه من حرمانه من العادة السنوية، وامتهان قدره بإعطائه (دقلة) بدلاً من (الشقرا). سمعته أم عبد الله زوجة صاحب البستان وهو يغني هذين البيتين، وكانت امرأة عاقلة حازمة بعيدة النظر، فذهبت إلى زوجها وقالت له بعد أن أسمعته ما قاله علي البقمي: ماذا فعلت له حتى يدعو على المزرعة بهذا الدعاء؟!.. قال: لم أفعل شيئاً، لكن لا بد أنه (زعل) لما أعطيناه دقلة بدلاً من الشقرا، فقالت: لا بد أن تعطيه فوراً ما كنت تعطيه في الماضي، قال: ولكن بعنا جميع النخل وليس عندنا ما نعطيه!.. قالت: لا بد أن تتصرف، قال: كيف؟ قالت: اذهب إلى من بعت عليه النخل واشتر منه نخلة شقرا، وأسرع قبل أن يتطور البيتان إلى قصيدة فننفضح بين الناس!.. وفعلاً ذهب أبوعبد الله إلى المشتري وأخبره أنه يريد أن يستثني واحدة من الشقر، فأذن له المشتري، ثم ذهب إلى علي البقمي واعتذر إليه من النسيان وأعطاه النخلة التي استثناها من المشتري.