تحتفل المملكة العربيَّة السعوديَّة بيومها الوطني الرابع والثمانين تخليدًا لذكرى توحيدها على يد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ولم يأت تأسيس وتوحيد هذا الكيان الشامخ إلا بجهود جبارة ومغامرات جريئة كانت مثار إعجاب العديد من الكتاب العرب والغربيين الذين تناولوا شخصيَّة المؤسس، وقد تكلَّلت ولله الحمد مغامراته تلك بالنجاح في وقت أحاطت به العقبات والمصاعب، إلا أنه تجاوزها بصبره وحنكته وعبقريته التي ساعدته على تأسيس وتوحيد هذا البلد المعطاء. وتتجلَّى تلك الصعاب قبل بدء مسيرته لتوحيد البلاد فعلى الرغم من حداثة سنه عندما خرج برفقة أسرته من نجد عام 1308ه - 1891م، إلا أن معاصرته لأحداث ذلك الخروج وأسبابه ومشاركته في بعض فصوله قد أضفى عليه حسًا سياسيًّا يعد عاملاً بالغ الأَهمِّيّة في تكوين شخصيته، إضافة إلى ما أعقب ذلك من أحداث حيث كانت الفترة اللاحقة بالغة الصعوبة، فقد تنقل برفقة أسرته بالصحراء باحثًا عن ملجأ لهم -بعد أن فقدوا ملكهم في نجد على يد ابن رشيد- وقد أصابه من جراء ذلك التنقل تعب جسدي وألم نفسي إضافة إلى ما كان يقاسيه وأسرته من عناء العيش آنذاك، إلا أنّه صبر على المكاره والشدائد. كما أنّه عايش صراعات القبائل في الصحراء وعمليات السلب والنهب وأثر ذلك على الأمن، الأمر الذي أعطاه القناعة التامة بالحاجة إلى الوحدة وفرض الأمن بوصفه حاجة اجتماعيَّة وسياسيَّة، وعلى الرغم مما صاحب هذه المرحلة من مصاعب وآلام إلا أنها تُعدُّ من الروافد التي أثرت في نشأة الملك عبد العزيز وأسهمت بشكل كبير في صقل موهبته السياسيَّة. وبعد أن انتقل الملك عبد العزيز برفقة أسرته للكويت وأصبح حاله وحال أسرته أفضل من قبل إلا أنّه لم يهنأ له المقام فيها وهو بعيد عن ملكهم المفقود وقد وصف الريحاني ذلك بقوله: «ثمَّ سكن الأب الكويت وصار الصبي شابًا فكانت الذكرى الأليمة رفيقة أفكاره وسميرة أحلامه قرأ شيئًا من العلوم هناك وهو يفكر بالملك المفقود». لقد خلقت تلك الظروف التي أحاطت بالملك عبد العزيز وأسرته قبل وصولهم للكويت وأثناء إقامتهم فيها نزعةً قياديّة له ففي الكويت يُروى عمن عاصروه ورافقوه في طفولته من الكويتيين أنه كان دائمًا يتزعمهم في الألعاب. ويؤكد ذلك أحد رجالات الإمام عبد الرحمن حين قال له: إن أراد الله عزًا للمسلمين فهو على يد عبد العزيز، قال الإمام: وما يدريك قال: رأيت فتيان الحي يتهيأون للعب وانقسموا فريقين، فسمعت أكثرهم ومنهم بعض أبنائك يقول: من أنا معه، وسمعت عبد العزيز يقول: من هو معي. كل تلك الأحداث دلت على تملك الملك عبد العزيز نزعة قياديّة منذ صغره ويظهر أن سيطرة ابن رشيد على ملكهم ساهم في تعزيز تلك النزعة لدى الملك عبد العزيز فالملاحظ في الأحداث التي دلت على نزعته القياديّة تتمحور حول نجد وتخليصها من حكم ابن رشيد واستعادته لملكهم المفقود الذي شغل تفكيره وأحبه ولم يجامل فيه حتَّى قبل وصوله إلى الكويت ومما يؤيد ذلك ما روي عنه أثناء تنقله مع والده وهو لا يزال فتى صغيرًا أراد الشيخ عيسى بن خليفة أمير البحرين أن يلاطفه فسأله: قطر أحسن أم البحرين؟ فأجابه الملك عبد العزيز مباشرة ودون تردد الرياض أحسن منهما، فقال الشيخ عيسى: سيكون لهذا الغلام شأن. قضى الملك عبد العزيز في الكويت فترة لا تتجاوز تسع سنوات من عام 1311 - 1893م حتَّى عام 1319ه - 1901م وهو يفكر بطريقة لتحقيق طموحه وطموح أسرته بالعودة لحكم نجد واستعادة ملكهم المفقود وهو ما تحقق ونجح فيه عام 1319ه - 1901م، بفضل من الله، ثمَّ جرأة الملك وعزيمتة حيث عمل على تهيئة الأسباب التي مكنته من تحقيق ذلك، منهيًا بذلك فترة خروجه برفقة أسرته من نجد، محققًا بذلك صورة من صور ولائه وانتمائه لوطنه. من خلال ما سبق يتضح لنا صورة من الصُّور التي سطرها الملك عبد العزيز ولاءً وانتماءً لوطنه على الرغم مما كان يعانيه وأسرته من مصاعب وآلام إلا أنه تجاوز ذلك كلّّه ليبدأ بناء دولة في وقت أحوج ما يكون في المنطقة بشكل عام ومنطقة نجد بشكل خاص من يحقِّق لها بعد الله الأمن والاستقرار، فتحقق ذلك على يد الملك عبدالعزيز، ليكمل بعد ذلك بناء وتنمية دولته في جميع نواحي الحياة، وسار أبناؤه من بعده على ذلك النهج حتَّى أصبح ما تشهده المملكة اليوم من تنمية وتطوّر محل اعتزاز وافتخار كل مواطن سعودي.