أخشى أن هذه الثقة المفرطة، وهذا الانتظار الكبير، لقرار هيئة كبار العلماء حول فرض رسوم على الأراضي البيضاء، يتم إقراره وفرضه بطريقة غير فاعلة، فتصبح له آثار سلبية غير متوقّعة، وغير ما خطّط له، لذلك يجب أن يُدرس الأمر جيداً، تحدد المساحات والمواقع الخاضعة للرسوم، فمن الطبيعي أن أعلى الرسوم يجب فرضها على المخططات المعتمدة والمنفذة، والجاهزة للبيع منذ سنوات طويلة، لكن جشع ملاَّكها جعلهم يحتفظون بها، ويحبسونها عن البيع، ويحرمون المواطن منها، مما يؤثّر على كمية العرض بطريقة مضللة وغير واقعية! قد يقول البعض: وهل هناك مخططات مطورة وجاهزة للبيع منذ سنوات، لكنها محتكرة ومحبوسة من قبل أصحابها؟ وأجيب نعم للأسف، على سبيل المثال مخطط غرب طريق أبي بكر، شمال الأمير سلمان، وهو جاهز منذ خمس سنوات، واضطر المواطنون للشراء في مخططات كثيرة خلفه شمالاً، مثل ربوة الياسمين، وجوهرة الياسمين، والقمرا 10، والعارض، بينما مالك هذا المخطط للأسف يحبسه عن البيع، أو الانتفاع به، بتعميره كوحدات سكنية وبيعه، وهناك الكثير من المخططات المطورة الجاهزة للبيع، وكذلك الأراضي الخام الكبيرة داخل النطاق العمراني، التي تجاوزها العمران من كل الجهات الأربع، وهي مهملة لأسباب كثيرة، إما لأن ملاَّكها لا تعني لهم هذه الأرض شيئاً قياساً بثرواتهم، أو لأنها أصبحت في حوزة ورثة، نشأت بينهم مشاكل، ولم تزل عالقة في المحاكم! أعتقد أن مثل هذه الحالات الكثيرة، التي كشفت أن نصف مساحات مدن المملكة، ومن بينها الرياض، تعتبر أراضي بيضاء غير مستغلة، مما يرفع أسعار الأراضي، لانخفاض العرض عن الطلب من جهة، وكذلك يحمّل الدولة كثيراً من الأموال، لقاء إيصال خدمات الماء والكهرباء والهاتف، وغيرها من البنى التحتية المهمة، نتيجة إيصال هذه الخدمات لمسافات عشرات الكيلومترات، خلف هذه الأراضي البيضاء المحتكرة! والأمر الآخر الذي يتعلّق بالتنمية العمرانية، هو الطابع التجاري الاستثماري المنتظر، عند فرض الرسوم على الأراضي البيضاء التجارية، سواء في الأراضي المخصصة لبناء الأبراج وناطحات السحاب، كالشريط التجاري بين طريقي الملك فهد والعليا، وكذلك على جانبي طريق الأمير سلمان، أو على الطرق التجارية السريعة، التي يصل عرضها ستين متراً، لأن إنشاء المباني المتعددة الطوابق على هذه الطرق، سيمنح المدينة فرصة التمدد الرأسي، وهو الذي تفتقده مدننا للأسف، مما جعلنا نتورط بالتمدد عشرات الكيلومترات في مختلف الجهات، حتى بلغت مساحة مدينة كالرياض أكثر من ألفي كيلومتر مربع، وهذا الأمر أرهق موازنة الدولة لسنوات، وسيستمر الأمر كذلك لسنوات طويلة قادمة. وأعود إلى قرار فرض رسوم الأراضي البيضاء المنتظر، الذي أتمنى أن يصدر بعد دراسة دقيقة ومنضبطة، وأن نتعامل معه بواقعية، حتى لا تكون آثاره صادمة ومخيبة للآمال، فقد أشعرني تصريح نائب اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى، الذي يقول إنهم في المجلس ينتظرون نتيجة مشروع مهم جداً، وهو إقرار الرسوم على الأراضي البيضاء، حيث يتنبأ بانخفاض أسعار العقار بشكل كبير جداً، وهو القرار الذي يراهن عليه المجلس بصورة كبيرة حسب وصفه! نعم سيكون هذا القرار مفيداً، إذا جاء ضمن حزمة قرارات تضبط سوق العقار، لكن يجب ألا نبالغ بالتفاؤل بهذا القرار وحده، لأن المطورين العقاريين يعرفون كيف يقتطعون هذه الرسوم من جيب المستفيد النهائي، وهو المواطن!