تشهد المملكة قفزة في كمية المشروعات الإنشائية ونوعيتها وطريقة التنفيذ، ونوعياً يوجد لدينا الآن مشروعات ناطحات السحاب ومشروعات المترو ومشروعات القطارات بين المدن، وهي مشروعات جديدة علينا نسبيا، وتختلف عن المشروعات التي اعتدنا عليها كالطرق والمباني متعددة الأدوار وتصريف السيول والمجاري. وحتى وقت قريب ما زلنا نعاني من حوادث المشروعات التقليدية كسقوط المركبات في حفريات تصريف السيول وحوادث تحويلات الطرق، فما بالك بالمشروعات جديدة العهد بها، هذه المشروعات الجديدة تحتاج خبرات خاصة في التنفيذ وفي ضمان سلامة العاملين فيه ومن حولهم. كذلك تحتاج من الدفاع المدني التدريب على التعامل مع حوادثها. طريقة التنفيذ كذلك عامل آخر يجب أخذه بالحسبان، حيث تزداد نسبة الحوادث والأخطار بالمشروعات سريعة التنفيذ كمشروع خادم الحرمين لتوسعة الحرم المكي أو مشروع تقاطع خريص الذي انهار جراء انفجار شاحنة الغاز. معايير السلامة لدى معظم مقاولي الإنشاءات هي «مخزية» وكمية الحوادث والوفيات فيها لأحسن دليل على ضعفها. لا يكاد يمر أسبوع حتى تجد حادثة أو اثنتين رصدها الإعلام لسقوط سقالة أو انهيار حفرية أو دهس عمال وما خفي كان أعظم. لعل القارئ الكريم يتذكر خبر مقتل ثلاثة عمال وإصابة أحد عشر بسقوط سقالة بجامعة الأميرة نورة إذا صح العدد. للأسف لا يهب أحد بتصعيد هذه الحوادث لأن أكثر المتضررين هم من العمالة البسيطة الذين لا حول لهم ولا قوة. وقد يتشدق بعض كبار مقاولي الإنشاءات بوجود إدارات للسلامة لديهم، وعند التدقيق عليها تجدها الإدارة الوحيدة المسعودة بعكس إدارات التصميم أو التشيد أو التنفيذ لأنها تستخدم لتحقيق مطلب السعودة للشركة فقط وليس للحفاظ على سلامة المشروع. يخطئ الكثير عند الاعتقاد بأن الدفاع المدني هي جهة الرقابة على التنفيذ وسلامته. الجهة الأولى المسئولة على الإشراف على المشروع هي الجهة مالكة المشروع وهنا نقع في الضلع الثالث المكمل لمثلث الحوادث وهو ضعف الجهة المالكة للمشروع هندسيا، فما خبرة رئاسة الحرمين الشريفين بتنفيذ المشروعات وما هي خبرة وزارة المالية بتنفيذ مشروعات الجامعات والمركز المالي، وإلى متى تقوم أرامكو بترك عملها وبناء الملاعب والمدن الجامعية. الواقع الهندسي للدولة الآن يتخطى تأخر المشروعات وسوء التنفيذ إلى مقتل العمالة القائمة عليها. المرحلة الأخيرة لهذا التدني سيكون سقوط المباني أو انهيار الأنفاق -لا سمح الله-. خط الرقابة الثاني للسلامة على المشروعات بعد ملاكه هي وزارة العمل. نعم وزارة العمل لأنها المسؤولة عن السلامة والصحة المهنية. أكثر ما يخشاه أي مقاول إنشاء في الدول المتقدمة هي هيئة السلامة والصحة المهنية بوزارة العمل (OSHA) لما لديها من أنظمة صارمة لحماية سلامة العاملين في جميع القطاعات وليس في قطاع الإنشاءات فقط ومدى التزامها بمراقبة الأعمال وإصدار العقوبات والغرامات على المخالفين. للأسف لا وجود لأي لوائح وأنظمة لإدارة السلامة والصحة المهنية لدينا سوى وقف العمل في الصيف. أختم هذا المقال بالحلول اللازمة لوقف سلسلة الحوادث في مشروعاتنا. يجب أن نعترف أولاً بوجود مشكلة بالواقع الهندسي لدي القطاع العام. ليس الحل بتلزيم أرامكو المشروعات أو إحضار الشركات الصينية وإنما بالنهوض بقطاع المهندسين وكوادره ووقف التهميش الحاصل لدى الهيئات الحكومية. ومن ثم إنشاء هيئة هندسية للدولة لتنفيذ مشروعاتها بعيدة عن نظام الخدمة المدنية البالي، تتولى التصميم والإشراف على مشروعات الدولة ذات التكلفة العالية. وأخيراً تفعيل إدارة السلامة والصحة المهنية بوزارة العمل لتواكب متطلبات النهضة العمرانية للمملكة.