يرتدي الساحر قفازاتٍ بيضاء، وقميصًا منشّى أبيض ويخرج من قبعته أرانب بيضاء، لكنها لا ترتدي القفازات مثله! قفازات ذاك الساحر ماهرٌة، فهي تستطيع أن تقفزَ وحدها بحركاتها البهلوانية لتضعَ نفسها على طاولة الزينة دون مساعدةٍ من أحد، ألهذا السبب سُمّيت بالقفازات؟! يطير كبير بحجم منطادٍ، كأنه يتحضّر لصفعةٍ ما، لمن يا تُرى؟!بإمكانه هو أيضًا أن يكونَ قاسيًا أحيانًا، فالصفعةُ التي تُوجَّه بالقفاز – الخالي من الأصابعِ كأنه نسخةٌ طبق الأصل مفرغةٌ من الهواء- أشدّ من تلك التي يطلقها الكفّ تاركًا آثاره الحمراء على الوجنة! وإن رميتَه فأنت فارسٌ يسعى للمبارزة والنزال ويبحث عن غريمٍ يلتقطه ويشهر سيفه في وجهك. قد يبدأ النزال بارتدائه في حلبةٍ مربعةٍ محاطًا بمن يصفق - لا يشترط ارتداء القفازات- قبل أن تنتهي المباراة بلكمةٍ قاضيةٍ من القفاز المنتفخ! يمكنك أن تملأه بالهواء فيصبح مثل عرف الديك لكنه بلا لون! عرف الديك تاجٌ، والتاج علامةٌ للزهو، لكن العرف هنا أبيضُ باهت، كمن يزهو بما ليس فيه! يحكى أن نمرًا ارتدى مرةً قفازًا أبيض لأنه سئم بزته البرتقالية المقلمة بالأسود، فسخرت منه كل السباع، وقالت له: إنّ القفازاتِ البيضاء للفتيات المهذبات اللاتي يرتدين الثيابَ بحواشي الدانتيل والقبعاتِ والشرائطِ الملونة، فأذعن النمرُ وتخلى عن قفازاته الأنيقة التي يحب، عادةً يأخذ الحمار هذا الدورَ بجدارةٍ في الحكايات، فيسعى جاهدًا ليحصلَ على مكانةٍ بين الحيوانات الأخرى، غير أنه يعود محمّلًا بخيبته وسخريةِ رفاقه! ارتداؤك للقفاز الأبيض يعني أنك تؤدّي عملك بكثيٍر من العناية والاهتمام، ربما يذكرك هذا بإعلان «فيريرو روشيه» حين يصف النادل هرم الشوكولاته بغلافها الذهبي واضعًا قفازاته البيضاء كي لا يتلوث لمعان الذهب ببصماته! ومع كل ما يتطلبه عمل اللصِ من اهتمامٍ وعنايةٍ بأدق التفاصيل، لكنه لا يرتدي قفازاتٍ بيضاء، وبدلًا من ذلك يحشر وجهه في جوربٍ أسودَ شفاف ويديه في قفازاتٍ سوداء، وهناك لصوصٌ لا يحتاجون القفازات على الإطلاق! لم يقع الشاعر العربي في هوى المليحة ذات الخمار الأسود فقط، لكنه تغزل بذات القفاز - دون أن يحدّد لونه- منتظرًا أن تفيَ بوعدها الذي يبدو أنه ليس أكثر من برق سحابةٍ لم تمطر: قولا لذاتِ القُلبِ والقفّازِ أما لموعودك من نجازِ والقُلب هو السوار! لعلّه لم يسمع بذاك الفارس الأوروبي الذي يزيّن خوذته بقفازٍ نسائيٍ ليكون علامةً على وقوعه في الحب، أليس هذا نمطًا آخر من عرف الديك؟ يبدو أنّ الجميعَ يحب التباهي! ربما لم يعرف بعد أنه لو رأى ذاك القفاز في منامه فإن رجلًا آخرَ سيسلب منه محبوبته بكل بساطةٍ! يبدو أنّ القفاز في الحلم بمدلولاته القاسية ينتقم من صاحبه على نحوٍ لا يتوفّر له حقيقةً، هل خطر بذهنك ذاك الرجل في «حكايا المرايا «الذي ينتقم ممن يوبخه بتمثيل الغضب أمام مرآته –سرًا- فقط؟!! بصمةٌ أخيرة بيضاء.. ربما: للمرة الثالثة؛ هناك أناسٌ لستَ بحاجةٍ لاختبارِ القفازِ الأبيضِ لكشف سوادهم، مجرد ذكرهم يثير هباباً!! *** * من قصيدة للشاعرة الأمريكية جويندولين بروكس بعنوان « النمر الذي ارتدى قفازات بيضاء»