وأقصد بالتخصصي «مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث» هذه المؤسسة العالمية المستوى ومفخرة المملكة العربية السعودية التي أهداها الملك فيصل إلى مواطنيه فكانت محط إعجاب الجميع، ولي تجربة فريدة مع هذه المنشأة منذ افتتاحها عام 1976م، إذ مرض والدي في ذلك الوقت مرض وفاته، ومكث في المستشفى تسعة شهور إلى أن توفاه الله -رحمة الله عليه- وكنت وإخوتي نذهب كل يوم إلى المستشفى للمكوث إلى جانبه واستقبال عواده، وعلى رأسهم الملك خالد والأمير فهد إذ كانا يزوران عمهما يومياً للاطمئنان على صحته، وأمكنني أن أعرف هذا المستشفى معرفة تامة أو كما يقول الأمريكان من داخله إلى خارجه، ومنذ ذلك الوقت وهذا المستشفى يقدم الخدمات إلى أبناء المملكة وإلى علية القوم من العرب والمسلمين، وكان وجوده يذكرني بما كتبه الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل خلال الحرب اليمنية وتورط عبدالناصر فيها، إذ قال: المشكلة أننا -ويعني مصر- متقدمون على اليمن بألف سنة وعلى السعودية بمائة سنة وقد أثبتت هذه المؤسسة أنه في خلال جيل واحد استطاعت المملكة أن تبني صرحاً طبياً تتمنى النخبة المصرية أن تتلقى العلاج والرعاية الصحية فيه، وذلك لأن قادة هذه البلاد يقضون كل وقتهم في تنمية وطنهم ومواطنيهم ولا يركضون وراء الشعارات الزائفة التي يطلقها من يسموه أنفسهم بالثوريين أو المغامرات بمصائر بلادهم التي تؤدي إلى الهلاك. ولقد سنحت لي فرصة في الماضي القريب أن أقضي شهراً في هذه المستشفى بعد إصابتي بوعكة صحية ألزمتني الفراش، وقد ذهلت من الفارق الكبير في المستشفى الذي خبرته منذ ما يقرب من أربعين عاماً وبين حاله اليوم فقد وجدت فيه على سبيل المثال بعض الممرضات لا يُجدن من اللغات إلا لغتهن القومية وكذلك مستوى الأطباء وهو لم يعد كما كان في السابق، وقد يكون هنا عائداً إلى نقص في الاعتمادات المالية، ولكن هذا لا ينبغي ألا تلجأ إدارته إلى خادم الحرمين الشريفين لدعمه، فقد كنت أسمع قبلاً أن أحد المديرين السابقين كان يفخر بأن في مقدرته أن يوظف براتب الاستشاري الأوروبي أربعة من الآسيويين، وهذا لا يعني شيئاً سوى أنه قادر على توفير هذا المبلغ إذا رضي بتدني المستوى، وأصبح هذا المستشفى يُعد كسائر المستشفيات في المملكة لا يميزه شيء عنها وهو الذي أوجد للاعتناء بالحالات المرضية المستعصية ولذلك فإن الارتقاء بمستواه يعد من ضمن الأولويات التي يجب أن تتوفر له. إن جميع المؤسسات المختلفة في المملكة إنما أوجدت لرفع المستوى المعيشي للمواطن السعودي، وحينما ينظر المرء إلى المملكة العربية السعودية يحضره الحديث الشريف (إن الحياة حلوة نضرة وإن الله لمستخلفكم فيها ليرى ما أنتم فاعلون)، فوجود أرض الحرمين الشريفين في ناحية وكذلك الثروة النفطية الهائلة في الناحية الأخرى يجعلنا نفكر بأن ما يحتاجه الوطن هو تسخير هذا المال لتطوير وإعمار هذا البلد الأمين السعيد بتوفيقه إلى قادة تقيم شرع الله في أرضه وبذلك نكون قد حققنا خيري الدنيا والآخرة.