في مثل هذا اليوم من عام 1421 للهجرة كان والدي رحمه الله تعالى، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، على فراش المرض المزمن في حجرته في الحرم المكي الشريف، وفي فجر ذلك اليوم أصابه تعب شديد فقرر الطبيب الدكتور عبدالرحمن النعيم نقله فوراً إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، وبالفعل نقلناه رحمه الله بسيارة الإسعاف إلى المستشفى، وأدخل العناية الفائقة لمدة ست أو سبع ساعات تقريبا ثم بعدها بدأت حالته بالاستقرار شيئا فشيئا، أصبح الوقت الآن في آخر العصر تقريباً، طلب رحمه الله الرجوع إلى مكة وكنت أقول له: اليوم التاسع والعشرون، وقد يكون غداً العيد وبقاؤك في المستشفى أفضل صحيا، ومن هذا القبيل في محاولة لإقناعة بالبقاء في المستشفى بجدة، ولكن كل المحاولات لم تنجح في إقناعه، وكنت أحاول كسب الوقت معه إلى أن قال لي (يبي يودوننا ولا خذ لنا تكسي) وقتها عرفت أن لا مفر من الذهاب إلى مكة، وبالفعل، جهزنا سيارة الإسعاف وانطلقنا إلى الحرم بمكة، وكان في تلك المرحلة من المرض طوال الوقت يتنفس بمساعدة جهاز الأكسجين، وعند وصولنا إلى الحرم قمنا بإنزاله إلى مكان إقامته في الحرم وسط الزحام الشديد محمولا على الأكتاف بنقالة الإخلاء الخاصة بالإسعاف ووضعنا أسطوانة الأوكسجين بين قدميه، وكان قد تم الإعلان بأن الثلاثين هو المكمل لرمضان وبدأ الإمام بصلاة التراويح، وبعد أن استقر وأدى صلاة المغرب والعشاء وانتهت صلاة التراويح من ليلة الثلاثين بدأ رحمه الله بإلقاء آخر دروس في حياته، وكان في أدائه وهدوئه من أفضل الدروس التي ألقاها في رمضان ذلك العام، وبعد انتهاء الدرس التفت إليَّ وقال (شفت لوننا قعدنا بجدة فاتنا هالأجر العظيم..) رحمك الله يا والدي، لقد ضربت أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والاجتهاد في طلب ما عند الله.