الصمتُ عن البوح سُنَّة المتفكرين، والمتبصرين حين تختلط الأصوات، وتعيث علبُ الألوان في اندلاقتها عبثا..! واتِّهام الزمنِ بفعلِ الأحياءِ أمرٌ خارجٌ عن ديدن العدل..، بل هو ناءٍ عن انصاف الزمن من أهله..! فلينصف العدولُ هذا الزمن من أهله.. إذ طغوا في العبث بعلب الألوان..، ولطخوا رسوم الجمال، ووسومه فدكنت لوحات التعبير، وألجمت مشاعر البهجة، وتاه الفكر في تصنيف الأفعال، والأقوال..! وقيل: أي زمن هو هذا الذي الفعلُ فيه يخالفُ القولَ، والمُضمرُ فيه يناقض المعلنَ، والناسُ فيه على غير جادة، والمعايير فيه على غير دقة..؟! يا للياسمينة من جرح الماء، ويا للطير من عطش السحابة..، يا لليل من عواء التيه، ويا للنهار من بكاء البصيرة..!! يا للقلم من وعثاء الآه..، ويا.. ويا.. ويا..! و»كلٌ يغني على ليلاه».. أي ليلى..، وأين المحاجر وقد تلكأت عنها الدموعُ..؟! في الأيام التي مضت عززت «غزة» رغبةَ البوح لأن تنطق..، فالخروج من عزلة الصمت لا يُمكِّنُه غيرُ جديرٍ.. و»غزة» جديرة بالكلام.. أعادت للياسمينة رواءها بنفرة عروقها، وهبات أرواحها أمام الشمس لتشهد، والقمر ليشهد..! «غزة» التي صمدت بلا نسيان، وصبرت بلا تخاذل، وأوقدت الحجر، وسخَرت من كثير من البشر.. ربما الآن يندى اليراع، و يهتدي البوح بجميل ما أيقظته غزةُ في النفوس..، وبصادق ما فرضت على العالم من سنن القفز على الهزيمة بشلالات دمائها، وأجنحة أوراحها...، وبجدارة عصاها التي أزاحت عن هجدة الذواكر غفوتَها... «غزة» حربة القضية التي ما برحت تستقر في الوجدان..، تستلهم نخوة الإحساس لعودة الوعي البشري العام، والعربي الخاص برابطة العرق، والهوية،والدين..، علَّ يتأتى انتشالُ اللون من عبثِ الاندلاق..، وتتحقق إعادةُ رسم اللوحة في صفاء..! في الأيام التي مضت..ولا تزال.. «غزة» فتحت كتاب «الأخلاق» وأضافت إليه..، حركت «الرحى» وأفاضت بالطحين..، هزت بجذع «الصمت» العتيق، وتفوهت بالمكنون.. أدارت «العقول»، واستلهمت...! * * * نعود فنلتقي اليوم قرائي الأعزاء، وبكم يندى القلم، ويجمل البوح..، وتؤوب الأجنحة.. ونستشرف معا ما هو آت.