التونسيون يعيشون حالة الصدمة من جراء العملية الإرهابية الأخيرة بجبل الشعانبي (وسط غرب) التي راح ضحيتها 14 جندياً، فيما لا يزال 23 آخرون تحت الرعاية الطبية المكثفة، كما لا يزال جندي آخر رهن الاختطاف، ويُرجح أن تكون العناصر الإرهابية قد اختطفته. وتم على شاشة التلفزة الوطنية تداول الرؤساء الثلاثة؛ ليلقوا كلمات لم تخرج عن السياق التقليدي للخطابات في مثل هذه الظروف؛ إذ تضمنت شجباً لأكبر عملية إرهابية يسجلها الجيش التونسي، ثم تأكيداً على التمسك بالدفاع عن الوطن ورايته، وحرصاً على مواصلة الحرب ضد الإرهاب. وجاءت كلمات الرؤساء الثلاثة متطابقة دون أن يكون هناك تنسيق مسبق بينهم، وكان من المنتظر أن يتوجه المهدي جمعة بخطاب للشعب التونسي اللية قبل الماضية فإذا الرئيس المنصف المرزوقي يستبقه بساعة كاملة، ويلقي كلمة مستعجلة، وبعد تدخل رئيس الحكومة ارتجل رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر هو الآخر مداخلة مرتبكة، حملت المعاني نفسها، وإن اختلفت التعبيرات. التونسيون الذين يعيشون حداداً حقيقياً أسفاً على زينة الشباب الذين راحوا فداء للوطن لم يأبهوا كثيراً لخطابات الرؤساء الثلاثة، ولا لخبر اجتماعهم المغلق بالقصر الرئاسي بقرطاج؛ إذ لم يصدر أي بيان توضيحي حول الإجراءات المتخذة لمكافحة الإرهاب وصون حياة الأمنيين والعسكريين الذين هم في الواجهة، يحتلون الصفوف الأولى في المعركة ضد الجماعات المسلحة، سوى ما تضمنه البيان المقتضب للرئاسة الذي أشار إلى أن اجتماع الرؤساء الثلاثة أكد ضرورة احترام الرزنامة الانتخابية في كل مراحلها، وأن أكبر انتصار على الإرهاب يكمن في إنجاح المسار الانتخابي؛ ما يستدعي العمل على توفير كل الظروف لإنجاز الانتخابات في آجالها، وتوفير كل التسهيلات من أجل تحقيق هذا الهدف. واعتبر المحللون السياسيون أن تسابق الرئاسات الثلاث، خاصة المرزوقي وابن جعفر، في التحدث إلى الشعب واللعب على أوتاره الحساسة يندرج في سياق حملات انتخابية سابقة لأوانها، لكنها فاشلة؛ لأنها لم تحمل الجديد الذي انتظره التونسيون طويلاً. وكان رئيس الحكومة المهدي جمعة قد دعا في كلمة توجَّه بها إلى التونسيين ليلة أمس الأول إلى توحيد الجهود من أجل محاربة الإرهاب، مشدداً على ضرورة التسريع بالمصادقة على قانون مكافحة الإرهاب، ومعتبراً أنه من أولويات العمل الحكومي اليوم مجابهة الإرهاب وإنجاح المسار الانتقالي وإنجاح المسار الانتخابي. رئيس الحكومة تحدث أيضاً عن أهداف الإرهابيين التي ترتكز على إفشال تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس متوعداً في الآن نفسه كل من ساهم من قريب أو من بعيد في تنفيذ العمليات الإرهابية بالعقاب الشديد، مصرًّا على أن كل أطراف الإسناد وحتى الأطراف التي احتفلت بعد وقوع العملية الإرهابية باستشهاد الجنود سوف يتم تتبعها قانونياً. من جهته، أوصى الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له الحكومة التونسية باتخاذ إجراءات جريئة وعاجلة ضمن خطة استراتيجية وطنية لمقاومة الإرهاب عبر حصاره مالياً، وتتبع مصادر تمويله ودعمه المتأتية خاصة من مئات الجمعيات الخيرية المشبوهة. وفي معرض تحليله للعملية الإرهابية النكراء أكدّ المحلل العسكري فيصل الشريف أنّ العملية كانت مدروسة بعناية فائقة، مرجحاً أن تكون المجموعات التي نفّذتها متحصّنة بالمدن، وأن لديها الأسلحة، وأنها بصدد تنفيذ عمليات نوعية لبث الرعب. مشيراً إلى أنّ فرضية قدوم هذه المجموعة من جبل الشعانبي شبه مستحيلة. وفي سياق متصل، انطلقت صباح أمس الجمعة جلسة الحوار الوطني بحضور رئيس الحكومة المهدي جمعة ووزراء الدفاع والداخلية والأمن ورئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وفي افتتاح الجلسة أكد رئيس اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي الراعي للحوار الحسين العباسي أن التونسيين أمام مرمى حجر من الانتخابات، وسيتم إنجازها دفاعا عن مشروع مجتمعي تعددي حداثي وطني. وبيّن الأمين العام أن الوضع الذي تمر به البلاد لم يعد يحتمل الانتظار محيياً رجال الأمن والجيش البواسل، ومؤكداً أنه آن الأوان لتنظيم المؤتمر الوطني لمناهضة الإرهاب، داعياً إلى تفكيك لغز الإرهاب ومعرفة كل ما يجب القيام به لمناهضة الإرهاب بكل الطرق الضرورية.